في تلك الليلة التي أصابني فيها الأرق والإكتئاب و أوشكَ الجنون أن ينال مني وتأبى أن تكتحل عيني بالنوم، راودتني أفكار كثيرة ومخيفة لا أدري ما السبب ، استشرتُ الطبيب فأعطاني قرص لمعالجة الأرق، ومن ثم اتجهتُ نحو فراشي ولا أدري ما الذي حدث بعد ذلك. سبحتُ في نومةٍ طويلة وفجأة إذا بصوت ينادي عليَّ " أمقرع جاهزو " فتحتُ عيناي على إبتسامة من شفاه ما إن رأيتها زادت دهشتي وجنوني، ولكني سرعان ما تداركتُ الأمر وعدلت من جلستي تنادي مرةً ثانية " أمقرع جاهزو " نهضتُ مسرعًا لنتناول "أمقرع "معًا لم أغسل وجهي ولم أفرك أسناني بفرشاة الأسنان ك عادتي عند كُل صباح، أنهينا وجبتنا ثم خرجنا نتسكع في الأقطان، وصوت أيوب يصدح من مذياع جدي ، جمعنا بعض السبول ووضعناها في العزفة ، علفنا بعض الحشيش من الشواجب لنطعم الأرانب، رعينا الأغنام والأبقار وهي تضع على رأسها قبعة تهامية صنعتها بنفسها، أخذنا قسطًا من الراحة تحت شجرة الفل وتبادلنا أطراف الحديث، أخذتُ أسألها إن كانت تعرف فلسفة روميو ، أو سمعت ما قال غسان كنفاني لغادة في رسائله ، أو عن سرعة النت الذي وصل لهُ العالم ، لترد عليَّ في كل سؤال باللهجة التهامية " ماش " الله ما أروعها من لهجة، ثم سألتها أن قد سمعت عن إيفانكا وعن خوفها من أصحاب البشرة السوداء أدركت أني اريد أن أستفزها بكثرة أسئلتي لأسمع منها ذلك الرد وبتلك اللهجة " ماش " لتضربني بعصاها التي تهش بها على غنمها، فاستيقظت من شدة الضربة استيقظت حزين أبحث عنها في غرفتي ولكني لم أجدها أيقنتُ انها كانت فتاة من الخيال. فعلًا كنتُ في حلم لكن التهاميات متفردات بجمالهن ، هن الجمال بذاته ، لا يتابعن عالم الأزياء ، ولا يترقبن إصدارات الأغاني الجديدة ، ولا يهمهن ما قال قيس لليلى ، ولا يكترثن لتغزلات نزار ، ولم يقرأن دواوين درويش ، عطرهن الفل والكاذي ، لا يرتدين الفساتين الشفافة ، ويتزين بلبس " الزنة " إنما يتعتقن بالفل والريحان ليس إلا. التهاميات لهن الكمالُ من بين الناس تفرداً وحسنا ، ولهن الجمالِ ذكرًا، ولهن من الكرامة والرفعةِ منزلةٌ ونصيب موفور. إذ لا يستطيع العاقل البتة أن يجهل قدرهن ، أو يتغافل عن شأنهن ، أو يعبث بكينونتهن. عذرًا مهما سردتُ، وشرحتُ، وتغزلتُ، ووصفتُ، وأبدعتُ في سرد الحديث عن أوصافهن ، لن أفي بحقهن ؛لأنهن هبة من الله لاتعدلها هبة..