يسير المبعوث الأممي إلى اليمن السيد مارتن غريفث بنفس الأخطاء التي سلكها من سبقه من المبعوثيين الأمميين . فقد صعد جمال بن عمر إلى جبال صعدة ، فيما نزل منها الحوثيون لاحتلال العاصمة صنعاء وأبرم معهم اتفاقا أسبغ عليهم شرعية استثنائية ولم يحاسبه أحد على تعقيده للمشكلة . أما إسماعيل ولد الشيخ ، فقد وفر لهم طائرات الأممالمتحدة لنقل قياداتهم ومواليهم إلى الخارج وعودتهم بزعم أنهم جرحى . وسهل لهم تحت هذه العملية إدخال خبراء وإخراج آخرين تحت غطاء الجرحى الذين يحتاجون إلى العلاج . وقد شهدت فترته تحركا ملحوظا في مختلف المستويات . حينما نقرأ الإعلان المشترك المقدم من مكتب غريفث ندرك أن الرجل تناسى أن مهمته لها مرجعيات ثلاث ، هي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني الشامل والقرارات الأممية . من الواضح أنه بهذا الإعلان يريد نقل الشرعية إلى الانقلابيين ، بعد أن شعر أنهم في أضعف مراحلهم ، خاصة في ظل الأزمة التي تعاني منها إيران الداعم الرئيسي لهم . كنا قد حذرنا سابقا من تصرفات غريفث خاصة بعد ما ارتدى عباءة الحوثي وأجرى تحركات واتصالات أممية لعرقلة تحرير الحديدة وظلل الرأي العام حول الجانب الإنساني وأنقذ الحوثي من هزيمة محققة كانت ستفضي إلى سلام حقيقي ، متجاهلا الدور الخطير الذي تلعبه مليشيات الحوثي الانقلابية . تصرفات غريفث تثير تساؤلات حول سبب تمسكه بإنقاذ الحوثي والإصرا على بقائه ، كلما تعرض للهزيمة . وكما قلنا سابقا إن غريفث يكرر أخطاء من سبقه في شرعنة وجود المليشيات الانقلابية وإعطائها وجودا خارج القرارات الدولية وتحديدا القرار 2216 . يساوي غريفث بين الشرعية وبين مليشيا الحوثي الانقلابية . أقول بوضوح إن غريفث ارتكب الكثير من الأخطاء التي لا يمكن معها تحقيق أي تقدم . لقد تغاضى خلال فترة تعيينه عن أساس الأزمة وهي معضلة وجود المليشيات التي لا تمتثل للحكومة ولا للشرعية . يصر في تقاريره على أن هناك طرفين ، في حين أن القرار 2216 ينص على أن هناك شرعية وانقلاب . كيف يتم دمج الخارجين على الشرعية في شراكة وطنية ، هذه هي مهمة المبعوث الأممي وليس مهمته الاعتراف بالخارجين على شرعية الدولة . بصريح العبارة ، غريفث ليس لديه خطة للسلام حتى الآن . هناك تقارير يومية تفيد بموت آلاف المدنيين نتيجة الفقر والجوع والأمراض ، لكننا بالمقابل لم نسمع غريفث يسمي أيا من هؤلاء الذين يتكسبون من الحرب وتجارة السلاح واستغلال الأملاك العامة لأغراض شخصية ولم يستطع حل قضية المرتبات التي كان قد وعد بحلها في اتفاق ستوكهولم . خالف غريفث الميثاق المتعارف عليه في عمل أي بعثة أممية وهو الحياد وعدم شرعنة الأطراف غير الشرعية . سيصحى العالم على كارثة إنسانية وبيئية تصدم الضمير الإنساني بسبب خزان صافر . هذه الكارثة يتحملها المبعوث الأممي الذي أضاع سنة من الوقت في حوار مع المليشيات ، ولم يحملها المسؤلية حتى الآن . صمت المبعوث الأممي وعدم نقل الحقيقة إلى أروقة الأممالمتحدة ساعد المليشيات الحوثية على الاستهتار لتضيف عملا إجراميا آخر يضاف إلى سجل أعمال الإبادة الجماعية والقتل الذي تقوم به منذ أن أعلنت الحرب على اليمن واليمنيين في دماج وما بعدها . حول غريفث خلال فترة تعيينه المشاورات إلى مفاوضات وتفاوض . المشاورات تعني تنفيذ إرادة المجتمع الدولي وقراراته ، أما التفاوض فيعني البدء من نقطة الصفر بين طرفين متساويين . المهمة محددة والمعني في سلطة التكليف هو مجلس الأمن . من حق غريفث أن يحركه طموحه الشخصي والمهني لتحقيق نجاح ، لكن ذلك يجب ألا يكون على حساب المهمة التي كلف بها .