نعم سلام الله على أيام زمان مقولة يتم ترديدها ترحما على زمن مر وانقضى يرددها فاقد مصلحة وهو في حالة غضب وحسرة بعد أخذ جرعة شهيق حناني طناني يزفرها كأنه جميل يهدر هدير يوحي للناظر وللسامع حدة غضبه وشدة حسرته والمقصود بالمصلحة هنا مكاسب وامتيازات لشخص اعتباري أو لمكون اجتماعي يعني زي ما تقول كانوا عايشين ببحبوحة في زمن غابر مر وانقضى وبعدين يا سيدي ومحفوظ البقاء جاء عليهم زمن أغبر حرمهم من تلك الامتيازات والمكاسب فتحول بهم المقام من عيشة النغنغة والمنجهة إلى عيشة يا أهل الخير يا محسنين.. مترحمين على ذاك الزمن الغابر بترديد مقولة (سلام الله على أيام زمان) ويعتقدونها قاعدة ثابتة وبرهانها هو أن كل أيام الزمن اللي سبقه والسبب في ذلك وبحسب ما يتصورون أنه مع تعاقب الأزمنة تتبدل أولويات القائمين على أمور الناس من رعاية وحماية مصالح الناس إلى نفسي نفسي ومصلحتي أولا. ومع أن تصورهم غير منطقي في ظل الحكم الرشيد متكافئ الفرص وفي ظل العدالة والمساواة إلا أنه منطقي ونص وخمسة وثلاثة أرباع، كما كانت تردد بنت عمة جدتي، منطقي جدا بالنظر لما عاناه الناس خلال فترة العقود الثلاثة الماضية من تهميش وإقصاء وتمييز وإلغاء واستنساخ وتفريخ وتحريش وتفريق وتبييض وتدجين وبيع قيم وشراء ذمم وكل صنوف البعسسة والحنجلة والتحكوال اللي مارسها القادة الممسكون بدفة القيادة والذين لا يملكون أي شهادة لا للتخرج ولا حتى للولادة من غير حلفان وما عندي لكم يمين أنهم من جهلة القوم وأقلهم خبرة وكفاءة، أولوياتهم في الحياة نفسي نفسي مصلحتي أولا وسعارهم ادي زلط، الزلط أولا، وعلى هذا الأساس اتسعت دائرة الحرامية واللصوص وزاد عدد البلطجية والكذابين والمنافقين واختلط الحابل بالنابل وتلخبطت أيام الزمن بعد أن انخرط في الهوشلية جمع غفير من أصحاب المنافع والمصالح الضيقة وأصحاب الفيد والكسب السريع وغيرهم من المطبلين والمزمرين والملمعين حتى أصبحنا في زمن حصنبلي حركشي. وهناك قلة قليلة هم من ظلوا صامتين لا حول لهم ولا قوة مترحمين على أيام الزمن الغابر مرددين المقولة (سلام الله على أيام زمان).
وعلى ما أذكر كان لبنت عمة جدتي شاب مستقيم نزيه وعلى خلق تم تعيينه مؤخرا مديرا عاما لإحدى المديريات، وقد بلغني أنه قطع عهدا بأن يعمل بكل إخلاص من أجل حماية ورعاية مصالح الناس في مديريته حتى يثبت للشعوب المناضلة ودول عدم الانحياز والعالم الثالث أن فترة العهود الثلاثة الماضية ما هي إلا حالة استثنائية في التاريخ البشري القديم والمعاصر والحديث وأنها لن تتكرر، وسوف يثبت بطلان القاعدة والبرهان لمقولة سلام الله على أيام زمان وعدم صحة اعتقاد أن كل من تولى على أمور الناس يأتي أسوأ من اللي قبله، لكن ويا للأسف فمنذ اللحظة الأولى لتوليه المهمة تصدى له أصحاب شعار الزلط أولا واصطدم بالمتنفذين من أصحاب المصلحة الحقيقية وتكالب عليه كل الفاسدين من داخل المديرية وخارجها ولا يزال صراعه محتدما مع تلك المجاميع.
التقيته مؤخرا وسألته كيف؟ فقال إن فترة العهود الثلاثة الماضية قد خربت عقول الناس وأفسدت نفوسهم، ونحن الآن بحاجة إلى ثورة لتنوير العقول وإصلاح النفوس. ثم أخذ جرعة شهيق حناني طناني وزفرها وكأنه جمل يهدر هدير وقال أيوه أيوه (سلام الله على أيام زمان)!!.