كثير من الناس في جنوبنا الحبيب وخاصة الشباب منهم، لا يعلمون شيئا عن الجوانب المضيئة لسلاطين الجنوب وأعمالهم الإنسانية التي أحدثوها أثناء توليهم الحكم كلا في منطقته، وهم معذورون في ذلك والسبب أن هذه الشريحة قد تعرضت لأنواع للقتل والتشريد والسجون من قبل أبناء جلدتهم الثوار، الذين أتوا من كل حدب وصوب للانتقام من هذه الفئة بدون وجه حق، في عمل مبعثه الجهل والبعد عن الدين، وقوبل الإحسان بالإساءة فقتل من قتل وتشرد وسجن أكثرهم، وهذا التصرف الغير مسؤول قد حفر لهؤلاء الثوار حفرة عميقة ظل كل منهم يدفن الآخر فيها حتى قضوا على أنفسهم والثورة وأهدافها، وكذلك الدولة التي جاءت بعد الاستقلال وحلمنا بها جميعا، لكنهم أهدوها لغيرهم على طبق من ذهب في 90م، فلا هم أقاموا دولة وحافظوا عليها، ولا هم تركوا الآخرين يحكمون. والحقيقة المرة من ذلك الفعل، أنه قد شارك فيه غالبية سكان الجنوب وبنسب مختلفة ومن خالف أو اعترض عليه كان مصيره القتل والسجن؛ ولأنها لا توجد جهة معينة مسؤولة عن ذلك، فقد جاءت الفرصة لمراجعة الضمير والاعتذار لهذه الفئة المظلومة، ولفتح صفحة جديدة تتكاتف فيها الناس وتستفيد من الماضي وأخطاءه، فهؤلاء الرجال لا شك أنهم قد عملوا أشياء إيجابية في مناطقهم بحسب ظروف كل سلطنة أو إمارة، ففيهم العديد من الثوار والمناضلين، ولا شك أن هناك قصور وتجاوزات في أعمال بعض منهم فهم ليسوا ملائكة، ومهما كان الأمر فإن العقوبات الجماعية بحقهم لا أصل لها. ولنأخذ على سبيل المثال السلطنة الفضلية، وما حققته لمواطنيها ليبقى مقياسا لبقية السلطنات، فقد أعطت هذه السلطنة القضاء وما يتعلق به في إطار حدودها جل اهتمامها، فأنشئت أربع محاكم ابتدائية في مناطقها الكبيرة؛ كالوضيع وامصره ويرامس والدرجاج إضافة إلى محكمة الاستئناف في العاصمة زنجبار؛ للفصل في قضايا المواطنين وإرساء دعائم العدل، إلا أن تلك المحاكم الأربع قد ذهبت في أدراج الرياح ولم يبق منها شيئا، وإن شئت فالمدارس كذلك لتشمل أغلب مناطق السلطنة وكان ذلك مبكرا عام 1952م، كما شقت الطرقات في المناطق الوعرة لتربط ما بين المناطق، إضافة إلى ذلك أنها كانت هناك نهضة اقتصادية وزراعية وإدارية كانت تنعم بها السلطنة والحديث عنها يطول. أما مدرستها المتوسطة الشهيرة التي كانت في زنجبار، فقد لعبت دورا وطنيا كبيرا عندما استقبلت العديد من الطلاب من مختلف مناطق الجنوب، ووفرت لهم إلى جانب التعليم السكن والغذاء إكراما منها على نفقتها الخاصة، فقد التقيت بأحد الطلاب من منطقة الشعيب كان يدرس هناك عام 1965م، حدثني أنهم نالوا في هذه المدرسة كل الرعاية والاهتمام. خلاصة الحديث أتوجه بنداء إلى المهتمين والمثقفين ورجال الفكر أن يسارعوا في جمع هذه المدلولات واقناءها والبحث عن جوانبها المشرقة، التي كانت ما قبل الثورة تعتمل في السلطنات والمشيخات؛ لكي يستفيد منها الاجيال، ومن أجل أن يعطى كل ذي حق حقه فالوطن للجميع.. وكفانا إقصاء.