في هذه الاثناء يبذل احمد عبدالله تركي مساع حميدة لايقاف المواجهات المؤسفة بين ابناء الارومة الواحدة والدم الواحد : الصميتة و العطويين .اذ لا يجب ان يهرق الدم الزكي ولا ان تزهق النفس المحرمة هكذا دون وجه حق و لاسباب لا ترقى الى رفع السلاح بعضنا ضد بعض . سوف يصل تركي - بإذن الله - الى حل هذه المشكلة بمعية رجال اوفياء يلتفون حوله ، وقد حل الكثير من هذه المشاكل التي تطل برأسها هنا او هناك ، ليس اخرها الصلح و التفاهم و التسامح بين القائدين الهمامين فضل حسن و حمدي شكري ( مع حفظ الالقاب ) و تجنيب لحج ثارات و عداوات لا تحمد عقباها بين اخوة الدم الواحد و المصير المشترك . كان الوضع في محافظات الجنوب المحررة اشبه ما يكون ب ( سد الثغرات بالشبهات ) تداخلت الصلاحيات و الارادات التي افرزها واقع ما بعد التحرير و تهالك امراء الحرب على غنيمة النصر دون اعتبار لاحتياج الناس الحقيقي في الحياة الكريمة التي افتقدت وقتا ليس بالقصير والتي خاض من اجلها الحرب الكبير و الصغير . في لحج ؛ كان القادم اليها من مؤسسة جيش الجنوب ، متربيا على التقاليد العسكرية الانضباطية منذ حملته قدماه صغيرا الى هذه المدرسة التي فتحت ابوابها لابناء الشعب ممن هم في عمر ( تركي ) ومستواه اجتماعيا و طبقيا ، ليصبحوا بعد صقلهم و تربيتهم و تعليمهم قادة تعتلي رؤسهم النجوم .
بدأ تركي مهامه كمحافظ لمحافظة لحج بمقدرة القائد العسكري المنضبط لقواعد الادارة المدنية . زاوج بين الاثنتين : العسكرية ؛ بما هي انضباط متحرك و مواكبة سريعة للاحداث . والادارة : بما هي قواعد و اوامر تتطلب المتابعة الفورية و المستمرة . لم تنتكس المحافظة مترامية الاطراف من حدود ( العر ) بيافع الحد مع البيضاء الى بوابة المندب ذات البعد الجيو سياسي و الاستراتيجي الخطير ، ومن عمق المسيمير و اطرافها المتاخمة للشمال مرورا بكرش و القبيطة و حتى هيجة العبد تحت سفوح تربة ذبحان بتعز .
ويتذكر الصبيحي الصغير احمد عبدالله تركي اولى اللحظات الصعبة _ وليس 0خرها _ حين مر رأسه من تحت مقصلة الموت في احداث الاطاحة بالرئيس ( سالمين ) في يونيو عام 1978 م . كان يومها جنديا في صفوف حراسة الرئيس المغدور به وقد ر0ه لاخر مرة و هو يخط في قصاصة ورق موافقته على الاستسلام لمهاجميه بعد ان نفذت ذخيرة من معه
ولأن تركي مقل جدا في حديثه عن نفسه فإنني سوف افترض منعطفات اكثر خطورة تعامل معها الصبيحي بقلب من حديد وقد غدا قائدا عسكريا بالكفاءة و الشجاعة معا . لعل اخطرها حرب العدوان على الجنوب في صيف 1994 م كان يومها من قادة لواء ( باصهيب ) البارزين في مواقعه بمحافظة ذمار الى جانب اللواء جواس واخرين .
كانت مهمة الطاغية المنتصر ( الى حين ) تفكيك جيش الجنوب كاولوية مشتركة مع قوى دولية و اقليمية ما يصعب على الجنوبيين حلمهم باستعادة دولتهم المسلوبة ، فقد تم تسريح عشرات الالاف من الجيش و الامن الجنوبي ووضع الاخرون في خانة ( خليك في البيت ) المقيتة و كان تركي ضمن هذه المجموعة المحكوم عليها بالموت البطئ لكن ابناء الجيش و الامن كان لهم تصريف اخر و ارادة اخرى ، فقد استطاعوا النهوض من الواقع المؤلم كما تنهض العنقاء الاسطورية من بين الرماد ، مشكلين الكتيبة المتقدمة في حراك الجنوب السلمي في العام 2007 م ، ما جعل الطاغية المنتشي بنصره الزائف في العام 1994 م مذهولا من هذه القدرة العجيبة لابناء الحنوب و يداري خيبته بالقمع و التنكيل .
كان تركي واحدا من رجالات الحراك الجنوبي السلمي البارزين ذلك الحراك الذي تزامن منذ البدء بارادة التصالح و التسامح بين ابناء الجنوب . رضخ الطاغية مجبرا على ترتيب اوضاع بعض العسكريين والبعض الاخر ظل على حاله حتى ملحمة الحرب تحرير الجنوب في العام 2015 م التحم الكل في تلك المعركة الخالدة بمساندة اخوية من التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية الشقيقة ، و كان تركي في مقدمة الصفوف لمواجهة العدوان الحوثي العفاشي حيث رافق الزحف العظيم من ارض الصبيحة الى عمران على الساحل ثم تحرير عدن و الوهط و صبر وصولا الى معركة تحرير العند قبل ان يتجه للقتال في الساحل الغربي و الى جانبه قادة كبار منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا .
وعند تسنمه ادارة محافظة لحج كان له الدور الملموس في تطبيع اوضاع هذه المحافظة رغم شحة الموارد و غياب الدولة في اغلب الاحيان دون ان تمنعه حتى الاصابة البالغة التي اصيب بها في حادثة المنصة الشهير في معسكر العند في يناير 2018 م لتضاف الى عديد الاصابات التي تزين صدر هذا البطل كأوسمة يعتز بها التركي و يفتخر .
عندما التقت مؤخرا قيادات المجلس الانتقالي و عدد من قيادات السلطة التنفيذية في لحج كان النقاش يتمحور حول التعاون المشترك مع هذا القائد الجنوبي الذي يعمل قدر جهده لصالح الانسان في هذه المحافظة و في ظروف استثنائية حقا . وكانت مشاركته مواطني حوطة لحج المحروسة بالله صلاة عيد الاضحى تذكير بالقائد الجماهيري الملتحم بمواطنيه والذي نفتقده كثيرا هذه الايام .
للتركي احمد عبدالله علي ابن الصبيحة و لحج و الجنوب التحية و هو يؤدي واجبا وطنيا لا يقل شرفا عن المعارك التي خاضها في كل الجبهات . د. هشام محسن السقاف