وسط باحة سوق شعبي لبيع الأغنام يقع في ضواحي مدينة عدن الشمالية يجاهد رجل في العقد الخامس من عمره بائع أغنام لكي يقنعه بقبول مبلغ مالي نظير رأس من الأغنام يعرضه البائع للبيع .. يخاطب صالح سعيد وهو مواطن من ضاحية الشيخ عثمان بعدن البائع بالقول :" يا أخي شوف الكبش هذا مش بعيد من الدجاجة وتريده بعشرين ألف حرام عليكم اتقوا الله ..
تبوء محاولات "سعيد " في إقناع البائع بالفشل مما يضطره إلى مغادرة السوق وحبات عرق ترتسم على ملامح وجهه .. منذ ثلاثة أيام مضت وسعيد يزور سوق السيلة الشعبي بهدف الحصول على أضحية لكن دون جدوى ..
سعيد موظف متقاعد بالمؤسسة العامة للنقل البري التي كانت من انجح المؤسسات العامة في دولة الجنوب السابقة ويتقاضى اليوم مرتب تقاعدي لايتجاوز ال 34 ألف ريال ..
كيف سيقضي "سعيد وأسرته هذا العيد في عدن ؟؟ وماهي أهم الأشياء التي قد تشغل بال الناس في عدن والتي قد تسيطر عليهم ..
عائداً إلى منزله يستقل "سعيد" حافلة متهاوية يصيح سائقها الشيخ الشيخ وعلى احد مقاعدها يستوي "سعيد " جالسا ويتحدث قائلا بعد ان يبرز حفنة من الفلوس :" هذه هي كل ما املك 10 ألف ريال ومنذ أيام وانا ابحث عن أضحية للعيد تتناسب مع فلوسي هذه لكنني لم أجد ولا أظنني سأجد ..
ويضيف :" لقد فقدنا أشياء كثيرة من ملامح العيد في عدن لم يتبق من شيء الا الإحساس بذبح أضحية العيد لكن هذا ما اعتقد إننا في طريقنا لفقده هذا العام أيضا ..
مثل أسرة "سعيد" الآلاف من الأسر التي ستنتظر هذا العام فرصة حصولها على بضع كيلو جرامات من اللحم قد تقدمها جمعيات خيرية في المدينة التي زاد نطاق الفقر فيها خلال العقد الأخير ..
جبل الناس في عدن وعلى مدى عقود طويلة على الاعتماد على ماتقدمه الحكومة المحلية من معونات اقتصادية ووصفت الناس هنا بأنها طبقة متوسطة وغالبا ماتعتمد على المرتبات التي تصرفها الحكومة والتي باتت لاتساوي شيء من الارتفاع الحاد في الأسعار .
محمود المنصوري موظف بشركة اتصالات حكومية بعدن يرى ان فرحة العيد وطقوسه بدأت بالاختفاء في عدن وحلت محلها هموم كثيرة أولها توفير متطلبات العيد واحتياجاتها . من خلف نافذة زجاجية بمقر عمله يعدل "المنصوري" من وضعية نظارة زجاجة تدلت على وجهه ويقول :" نحن بحاجة إلى تغيير جذري في أمور كثيرة بحياتنا صدقني الناس هنا تعيش بشكل يشبه بالمعجزة ..
يقول المنصوري بأنه يخاف من الصحافة ويضيف مقهقها :" وكبش العيد ايضاً.. ورغم ذلك يتحدث الرجل مطولا عن العيد في عدن ..
لن اعمل أكثر من هكذا سنصلي ومن ثم سنقوم بذبح أضحية عيد تشاركت فيها مع أسرتي بعدها قد نخرج نتنزه وقد لانخرج أسعار المواصلات أصبحت غالية جدا .. هكذا يمر العيد في عدن . أحلام الشباب على رمال ذهبية بساحل الغدير بمديرية البريقة يتجمع عدد من الشباب عصراً قبل أيام من عيد الأضحى ويقضون ساعات في لعب كرة القدم قبل ان يغادرون إلى منازلهم .. يرى محمد عبدربة وهو طالب جامعي بكلية الاقتصاد ان أوضاع العيد في عدن تبدلت كثيراً ويرى ان كل عيد قد لايكون مثل كل الأعياد الأخرى ..
يقول :" عبدربه بلهجة حزينة انظروا إلى حال الشباب اليوم العيد بالنسبة لكثيرين هو تخزينة قات لا أكثر بركن من الأركان الشباب حاسس بإحباط شديد للغاية لا أمل في مستقبل ولا في واقع ولا في أي شيء...
ويضيف :" العيد سيكون بالنسبة لنا نحن الشباب شيء جميل إذا أجا ونحن نملك أمل بان الأمور تسير نحو الأفضل لكن هذا أمر مستبعد شوفوا بالله الأوضاع لفين رابحة ؟؟ مخاوف أمنية .. على غير كثيرين ترى د. ميرفت العولقي وهي أخصائية أمراض نساء وولادة من عدن ان العيد في عدن يأتي هذا العام في ظل تزايد المخاوف من هجمات بعد التفجيرات التي شهدتها المدينة مؤخرا ..
ترى ميرفت والتي كانت تتحدث ل"عدن الغد" بإن الناس في عدن قد تلتزم منازلها خوفا من وقوع انفجارات أو ماشابه ذلك . وتضيف:" العيد تنقصه الفرحة المعهودة اللي ترافقه دائما الناس تفضل الجلوس في البيت لان الأمان مفقود وبسبب ارتفاع الأسعار يتعذر على كثير من الأسر اخذ أطفالها للتنزه كما ان الهموم غلبت على الشعور بالفرحة والخوف من المصير المجهول. مثل كثيرون هنا في عدن تسرح "ميرفت " بخيالها بعيداً وتتذكر أعوام مضت لم يكن العيد فيها مثل اليوم ..
وكأنها تتذكر شيء ما تقول "ميرفت بحسرة" رداً على السؤال هل أثرت الأوضاع الاقتصادية والمعيشية على مشاعر الناس في العيد :" أكيد أثرت بشكل أو بأخر وطبعا تعذر رب الأسرة على الإيفاء بالتزاماته المادية ينعكس سلبا على بقيه أفراد الأسرة خاصة الأطفال وفي مناسبة ينتظروها من السنة إلى السنة الأخرى.
وتضيف :" حتى خروف العيد أصبح سلعه صعبه المنال وكان الناس يساعدوا به الفقراء الان أصبح الكل سوى لا يستطيعون شراءه بسبب الأسعار الخيالية. وتظل عدن تحلم وتحلم.. وسط احد اعرق أحياء مديرية صيرة يجاهد من أسابيع عدد من الشباب المبدع في عدن على مسرح سينما "هريكن" لأجل الانتهاء من بروفات مسرحية "كارد أحمر" التي تنوي فرقة خليج عدن تقديمها للعام الثاني على التوالي ..
خلال السنوات الماضية تمكن فريق عمل شبابي من تأسيس فرقة مسرحية بأسم "فرقة خليج عدن " وخلال فترة بسيطة تمكنت الفرقة من ان تكون معبرة عن الكثير مما يدور في المدينة ذات الطابع الليبرالي المتحرر.
هذا العيد تنوي الفرقة تقديم مسرحية "كارد أحمر" مرة أخرى بعد ان كانت قدمتها العام الماضي وحققت نجاحا كبيراً للغاية ..
يقول "فهد شريح" وهو احد العاملين في الفرقة ل "عدن الغد" نحن نحاول بكل مانملك من قدرة على إدخال الفرح إلى قلوب الناس .. لقد عاشوا خلال الأشهر الماضية أوضاع صعبة وسنعمل بكل ما نقدر ان نقدم عمل فني يستحق المتابعة ..
أمس الجمعة انتهت الفرقة من بروفات مسرحيتها التي ستعرض طوال أيام عيد الأضحى المبارك ويتوقع لها ان تحفل بمشاركة جيدة من قبل الأهالي والزوار ..
كلمة قبل الختام بالتأكيد رغم كل الالم الذي تعيشه عدن اليوم ورغم كل الوجع الا ان عدن تصر وستظل على هذا الاصرار بان تحلم وتحلم وان تظل تمضي إلى الامام واقفة شامخة رغم كل محاولات اخضاعها ...
عدن دائما وابداً جميلة بأهلها البسطاء الطيبون .. عدن جميلة بالناس التي لاتحلم بأكثر من حياة عادلة كريمة .. رغم كل الالم ستحلم عدن وستنتج كل ماهو جميل في هذا الوجود ..
لايريد الناس في عدن الا أشياء بسيطة حصيرة على شاطئ بحرهم واكواب شاهي "ملبن" وضحكة اطفال بريئة وقطعة خبز يتقاسمونها مع جيرانهم وكل محبيهم ..
هذه عدن باختصار انسان جنوبي بسيط للغاية لايحلم باشياء مستحيلة ، عدن أمراة جنوبية عربية ممشوقة القوام يتدلى على صدرها جرز فل ويفوح من شعرها رائحة بخور عدني طيب اصيل لن يمحيه الزمان ولا روائح الغرباء .. عدن سترقص وستغني رغم كل مايحدث ولن تبكي في يوم من الأيام ابداً ابدا ً..