تشربه بين عروقه..تفجرت حرارته كبركان ثائر فلسعته برودة هذا الوطن وتآمرت عليه هموم عالمه الصغير مع هموم عالمه الكبير فقطع شعره اتصاله بهما فأصبح متسخاً يعيش بين فواصل الحياة ويقتات على هوامشها..التحف الشوارع وتوسد ظلمة السماء ولم يجد ما يأكل سوى فضلات الآخرين..كانت عورته تتكشف بين الحين والآخر فيجري حوله الأطفال ضاحكين, يسخر منه بعض الرجال,تصرخ النسوة: أستغفر الله..أستغفر الله, أصبح بكل فخر مجنون.
( ليلة باهظة الثمن)
لم يستطيعا التخلص من شعور طغى عليهما فجأة..أحسا أن وجودهما كعدمه ان لم يكونا معاً حتى النهاية, تلك الليلة كان الشيطان ثالثهما فتفجرت الخطيئة في شرايينهما ندماً, وعدها بعدم التخلي عنها-لعله كان صادقاً- لكن ملامح وجهها في اليوم التالي كانت كافية لتروي كل ما حدث فأستقر خنجر أخيها في قلبها لينهي حياتها وحياة جنينها بعد أن رفضت إخبارهم عن اسمه.
(العمياء)
تخلت عن أهلها حين أرغموها على رفضه لأنه أعمى لكنها أحبته كما لم تحب أنثى من قبلما فأعطته روحها وقلبها وكرست حياتها وراحتها من أجل سعادته..زينت بيته بوردتين جميلتين فكانتا عينيه التي يرى بهما النور وكيف لا؟؟ وهو لا يبصر من الحياة إلا السواد, وحين أخبره الطبيب أنها لن تنجب له الولد طلقها لتنصدم في الأخير أنه لم يكن هو الأعمى بل كانت هي: (العمياء).
(الفتاتير) ذات صباح لم أستطع الذهاب للمدرسة لمغص شديد انتابني فجأة, كنت بارعة جداً في التمارض والفوز بصباح أخر مشرق خدعت أمي فيه وتسللت خلسة لألعب"الفتاتير" مع أولاد الحارة..هاأنا ذا أرمي "البد" بسرعة "فيطرمشني" الآخرون بسهولة لا بل يضيفون على هزيمتي النكراء ضرباً مبرحاً .كنت أعشق هذه اللعبة بجنون وكالفتاتير كنت أتدحرج طفلة صغيرة من حارتي"الجامع" إلى حارة"مساوى" و"سوق الصيد"و"وحيدة" و"الحاو" وهكذا كانت الفتاتير تغزو كل حارات "الحوطة" وأنا اليوم تغزو حياتي كل الذكريات حين أرى أصدقائي الذين لعبت معهم لازالت الشقاوة وفتات من البراءة ترتسم على ملامحهم الرجولية لازالوا يضحكون بقوة فتبدو أفواههم مكتظة(بقات)و(تمبل)و...و...وأشياء أخرى,كبرنا اليوم لكنها لم تكبر أو تتغير لعبة"الفتاتير"داخلنا..لازالت تلاحقنا فنلهث مسرعين ليطرمش كل منا الأخر ويضربه ضرباً مبرحاً. يلعب الجميع الفتاتير على أنقاض مدينتي الهاوية نحو الهاوية والمطعونة – مثلي- بقسوة الذكريات.