من حق كل شهيد أكد القسما على الفداء وسقى أرض الكفاح دما أن لا نضيع له عهدا ولا ذمما وأن نسير على النهج الذي رسما. الإنسان لا يستطيع أن يعيش حياةً راسخةً دون أن يرسخ وجوده في "مكان"، وعن طريق هذا الانتماء يراود الفردَ شعور بالعزة والشموخ، والألفة والاندماج مع ذاته ومع من حوله. نحن لا نكف عن التأكيد على مصلحتنا وحاجتنا للامتلاك والانتماء وذلك كي تتماسك شخصيتنا ونحميها من التحول إلى وجود هامشي أو من الوجود اللافعال في محيطنا، طالما ونحن معرضون للأذى والغدر، وإمكانية التعرض للأذى هذه تتيح لنا المرور بتجارب ذات طابع إيجابي تجعلنا نشعر بالحاجة إلى كيان يحمينا مما يتهددنا في أرضنا وهويتنا. لكن هل من المنطق أن نعتمد على تجاربنا الذاتية دون الاستعانة بالماضي وبتجارب من سبقونا؟ بمعنى آخر هل من السداد والحكمة أن لا نلتفت إلى الوراء قليلاً لاستقراء الماضي والاستعانة به لاستبصار الحاضر واستشراف المستقبل؟ من لا يلتفتون إلى الوراء يحرمون أنفسهم من الاستمرار مع ماضيهم الخاص الذي يشكل لهم الحاضر، لأن علاقاتنا الماضية تعيش ضمن علاقاتنا الراهنة، وإن لم نكن مدركين لذلك. أمزجتنا ومشاعرنا وأفكارنا الحاضرة ترتكز أساساً على ماضينا الفعلي، وأن شخصيتنا في اللاوعي الجماعي تتشكل مع ظروفنا الراهنة وتؤثر بقوة على مجمل سلوكياتنا، وهو في حقيقته لاوعي يتراكم عبر الأجيال، ولذلك قالوا: "إن الأمة التي تقرأ تاريخها تضيف إلى عمرها عمراً جديداً هو عمر التاريخ.. وإن الأمة التي لا تقرأ تاريخها لهي أمة لا تستحق العيش والكرامة بين الأمم". التشكيل المستمر لذواتنا وأفكارنا وسلوكياتنا يعتمد أساسا على المتوارث عن طريق الأساطير التاريخية لأمتنا اليمنية، ثم على نبوغنا الفكري التجديدي، فالأساطير قصص تمنح الثبات والعزيمة للروح، وتجدد الهمم للاقتداء بالأبطال الأحرار: مواكب الزحف نحو المجد زيدينا وثباً إليه وزيدي من تحدينا وذكري متناسينا وناسينا أنا على الدرب ما زلنا يمانينا وفجر أيلول برهان في أيدينا. نحن بحاجةٍ شديدة إلى ماضينا الثوري ليكون إطاراً لحاضرنا وإشعاعاً لمستقبلنا المنشود، لأن الجهل به أو عدم فهمه يعيق نمو المجتمع وتقدمه، فعن طريق تفحص أحداث ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة، وأنماط أساطيرها نتوصل لفهم أعمقٍ لأبطاله وأفكارهم التي صاغت التاريخ اليمني الحديث: من السجون ارتضعنا غضبة البركان ومن صدى القيد صغنا أروع الألحان وبالسلاح وثبنا وثبة الطوفان ندك أعتى قلاع الظلم والطغيان ونبتني من جديد مجد ماضينا. عن طريق إعادة قراءة تاريخ الثورة والثوار نستلهم همم الأحرار، والدروس والعبر، وبقراءة واعية لأحداثها نستطيع تجاوز السلبيات التي رافقت الثورة ولازمتها بعد انتصارها على كهنوت ذلك العصر الإمامي البغيض. فمن تلك السلبيات أن الكهنوتية الهاشمية لم تبرح مسرح الثورة اليمنية، وأن أحداث اليوم وسواد ليالي اليمن لهو امتداد لذلك الكهنوت الذي قامت ثورة السادس والعشرين للتخلص منه.. لكنه للأسف استطاع أن يلتف على الثورة والثوار، وأن يتمدد مرة أخرى لعدة أسباب داخلية وخارجية، وهاهو اليوم يجثم على أنفاس الوطن والجماهير اليمنية. ولكي ننجح في التخلص من براثن الهاشمية السوداء علينا إعادة قراءة ثورة سبتمبر مراتٍ ومرات واستلهام الخطوط التي يلزمنا سلوكها نحو النصر. أساطيرنا السبتمبرية هي فلسفتنا الكبرى، نشعر دونها بالانفصام والتيه، فهم الشموس والنجوم والأقمار المضيئة في سماء الوطن، تزيدها جلالاً ومهابةً، وقصصهم تثبت أرواحنا في مواقعها الثورية، وتدفعها لمواصلة المسير، وتنقلنا إلى المستقبل الموعود: سل النجوم التي كنا نساريها شوقاً إلى الفجر كم بتنا نناجيها حتى أطل علينا من أعاليها سبتمبر يُشهِدُ الدنيا ومن فيها أن لا بقاء لباغٍ في أراضينا. وإننا لابد لنا اليوم من أن نلبي داعي الوطن، ونصغي لنداءات أبطال 26 سبتمبر وشهداءه، ونستجيب لمناشدة جماهير شعبنا اليمني في التقدم لرفع راية الوطن اليمني الواحد معلنين إستمرار المد الثوري السبتمبري، وترسيخ مبادئ الثورة الستة. وإننا وبهذه المناسبة العظيمة نعاهد الله والوطن والشعب على الثبات والوفاء والنضال السياسي الجاد في سبيل تحقيقها واقعاً ملموساً على ترابنا اليمني: لبيك يا موطن الآباء والأجداد لبيك يا جنة الأبناء والأحفاد لقد وعدناك أن لا نخلف الميعاد بوحدة الشعب والتاريخ والأمجاد فوحدة الشعب من أسمى أمانينا.