عدن تكورت حول نفسها ، لم تعد ترغب في ملامسة البشر، بعدأن تحولوا فيها إلى معاول هدمٍ ومناشير شر ٌيتسابقون على قضم الفدادين منها والفراسخ ، حتى ثغرهها الباسم لم يسلم من الأذى ردموه بالحجارة والحصي ، وفوق صدرها المثقل بالألم يشيدون ناطحاتٍ من قش وألواح ودسر، لا تعانق بتسامقها السحاب بل بدنوها تغوص في أعماق التراب .. ناطحات من أقبية وأكواخ ملتصقةٍ متداخلةٍ في بعضها،لافتحاتٍ فيها للتهوية، ولا أفقٍ ولابهوٍ لها ولارحاب ،فهل صار سكانها من النمل والدبابير والأفاعي!! يتغنون بحبها ويهيمون بعشقها ولاتسمع لهم فيها معازف الكمنجة والرباب ، بل يتردد في جنباتها صدى المطارق والمناشير وآلآت الخراب، ويتغزلون بسحر جمالها وينثرون فوق ضفائرها القمامة والقذارة والجيف . ضرب الجشع فيها أطنابه فغدت عدن مدينةٌ من ورق ، فإذا قبٌل جبينها عود من ثقاب أصبحت يباباً وكومةٌ من رماد ٍمتفحٌمٍ يجثو على وجه التراب. عدن بعد أن رحل عنها الكُبراء والفوارس، ترهٌل فوقها الزمن ودبٌت في أحشائها الشحناء والفتن، فضاعت ملامحها/ معالمها همسها/ رسمها/وكل شئ فيهاصار موحشاً، رحلت النوارس مكرهةً من شواطيها، ولم يعد يضوع الأريج من حدائقها ولا يشتم من حوافيها عبق البخور والعطور، كل مافيها جميل اختفى مع الماضي حتى أُمسياتها صارت بلا أوتار ولاأشعار ولاأنوار ولاأقمار لله درها لم يبق من جمالها وسحرهاإلا اسمها عدن!!..