بعد إعلان هزيمة ترامب، يبدو أن هذا الرئيس لن يتكرر، فهو مختلف عمن سبقه، ولن تأتي أي انتخابات قادمة برئيس مثله، إذ يصعب على غيره القيام بما قام به، وأداء أدوار مماثلة له، وهنا لا أعني قدرة القيادة، وجدارة الإدارة، بل أعني شخص هذا الرئيس المثير دوما للجدل والغرابة! لطالما كان حديث الواقع والمواقع، تصريحاته جذبت حوله كثيرا من الأنصار في الداخل، والمهتمين في الخارج، كسر قواعد البروتوكل الرئاسي في كثير من الأحيان، ومزج مهامه الرئاسية ببعض التصرفات غريبة الأطوار! مارس مهاما رئاسية من على صفحته الشخصية في موقع تويتر، وجعلها المنبر الأول الذي يُعبر فيه عن خطواته، ويكشف منها عن قراراته، متجاوزا في كثير من الأحيان وجود ناطق رسمي باسم البيت الأبيض، ولذلك كان ما يصدر عنه في صفحته أكثر المواقف إثارة للصخب السياسي والإعلامي، وأكثر المواقف التي سببت إرباكا لمنظومة الفريق الرئاسي في البيت الأبيض. وعلى مدى أيام السباق الرئاسي (يوم الاقتراع وأيام الفزز الماضية)، تسببت مواقفه الرافضة لنتيجة فوز منافسه بحالة جدل لم يشهدها التاريخ الديمقراطي الأمريكي، فدوافع الرفض هنا بدت لكثيرين شخصية أكثر منها قانونية، إضافة إلى الصخب الذي أحدثه في مواقع التواصل، وتسرعه في اتخاذ مواقف مثيرة، تارة بإعلان فوزه، وتارة أخرى باتهام منافسه بتزوير الانتخابات، وثالثة برفض النتائج كليا، الأمر الذي استدعى موقعي فيسبوك وتويتر إلى حجب منشوراته وتغريداته وإرفاق تحذيرات في بعضها تُشير إلى عدم صحتها، وبكونها تحوي محتوى مضللا. هذا ترامب، الرئيس المثير للجدل، أما سياسة الدولة فلا تتغير كثيرا، ولا تقف على شخص الرئيس ومزاجه أو اهتماماته، فأمريكا دولة مؤسساتية، والمؤسسات هي من ترسم سياستها، وتحدد وجهاتها بناء على مصالحها، غير أن نقطة الخلاف تكمن في تحديد الأولويات، فلكل حزب من الحزبين أولويات يضعها للتنفيذ أثناء فترة حكمه، ولا تتعارض هذه الأولويات مع السياسة العامة التي ترسمها الغرف المغلقة، وتقرها غرف الكونجرس المفتوحة. اللافت أثناء سير الانتخابات، هو ابتهاج كثيرين في بلداننا العربية بتقدم أحد المرشحين، وكأنما هو محسوب على تيارهم السياسي، وسيأتي مسرعا لتحقيق أهدافهم لا أهداف أمريكا، ويمشي وفق سياستهم لا سياسة أمريكا، ويلبي مصالحهم لا مصالح أمريكا! صحيح أن لكل حزب سياسته، لكنها لا تتجاوز الأساسيات التي تُبنى عليها مصالح أمريكا، وتتكامل كلها لتحقيق هذه المصالح، والثابت أمام هذه المعادلة أن الدولة التي تستطيع بناء علاقات تعاون ناجحة مع البيت الأبيض في ظل رئيس جمهوري، تستطيع فعل ذات الشيء في ظل رئيس ديمقراطي.