أيّامُ الزَّمَان الماضي في وطنّا كَانتْ أسماءنا أحْلَى و النّسَاءُ أكثر خَجِلًا و أنوثةٌ.. و رائِحة الطعام تخرج من شبابيك البيوت.. و حَبَّاتُ المطر أكثر أكتنازاً بالماء.. كَانتْ أخبار الثامنة أقلّ دموية من اليوم... الساعة السادسة مساءً أفتح أبوابك يا سمسم..و عدنان و لينا.. و بيل و سبستيان.. و يوم الأربعاء البجيرمي بطرائف من العالم. و الخميس الرياضي.. و غدًا نلتقي.. كَانتْ غمزة "سميرة توفيق" تحرج الأمهات و تعتبر أكثر مشاهد التلفزيون جرأة.. و أُجرة الباص وتاكسي البيجوت شيئ لا يذكر.. و الصحف تنشر فجرًا أسماء الناجحين بالجامعات.. و الثانوية العامة.. و الأعدادية.. و الأبتدائية. و كُتّاب القصة ينشرون مجموعات مشتركة.. و الجارة تمدّ يدها فجرًا من خلف الباب بكوب ماء و شاي ساخن لجارها، و لصاحب النظافة فيمسح عرقه و يستظلّ بالجدار و يشرب !. ولم نعرف يوما أن هناك أُسْرَ تنقطع عن شراء فاكهة.. و أننا يوماً ما سنخلع جهاز الهاتف من جهازه و نحمله في جيوبنا.. !!. كنا نقبل رأس جده و جدو صباح الجمعة و صباح العيد.. و التلفزيون يفتح الرابعة بعد الظهر أو الساعة السادسة مساءً، و يغلق شاشته في موعد محدد مثل أي محل أو مطعم !. و كانت المكتبات تبيع أوتوغرافات ودفاتر خاصّة للرسائل أوراقها مزينة بالورد.. و كانت أقلام البيك الأحمر و المنديل الملون، و كتابة الرسائل علي الورق، هي الوسيلة الوحيدة للتعبير عن الحُبّ قبل أختراع الموبايلات.. !. كَانتْ البيوت لا تكاد تخلو من فرن الصاج الحديدي، و الأمهات يعجنّ الطحين في بعد صلاة الفجر ليخبزنه في الصباح.. و كان الحليب من الأغنام نشربه، و نضعه علي الشاي، و الكعك، و الكيك. كان مسلسل السوري "حمام الهنا" لدريد و نهاد يجمع الأسرة مساءً. و مباريات كرة القدم لبطولات كاس أسياء، و كاس أفريقيا، و كاس العالم تجمعهم، في سهرات بصخب صوت عربي، و يقطعوا مسافات كبيرة مشيًا علي الأقدام ليجتمعوا بمكان بمنزل واحد، و إذا انهزم منتخب عربي يخيم عليهم الحزن ولا ينامون !!. كان "الأنترنت" رجماً بالغيب لم يتوقعه أحذق العرّافين و السحرة.. ولو حدّثتَ أحدًا يومها عن "العدسات اللاصقة" لاعتبرك مرتدّاً أو زنديقًا تستحق الرجم.. كَانتْ عامة الناس محافظة علي شرائِعُ دَيّنِهم و قيم أخلاقهم العربية النبيلة.. حتي اليهود الجنوبيون كانوا محافظين علي شرائِعُ دَيّنِهم و علي قيم أخلاق دينهم اليهودية السلوك السامي الحَسَنُ، و علي و الأخلاق العربية السامية، و القيم النبيلة السامية التي تربوا عليها.. و قمصان "النص كم" للرجال تعتبرها العائلات المحافظة عيبا و تخدش الحياء.. كانت الناس تهنئ أو تعزّي بدقيق و قمح و سكّر من 1 إلي 25 كيلو غرام.. حين كان مذاق الأيام أشهى، و مذاق الشمس في أفواهنا أطيب.. حين كان البرد صباحا و نحن رايحين علي المدرسة يجعل أكفّ التلاميذ حمراء ترتجف فيفركونها ببعضها.. كنا تلاميذ ذات قلوب نظيفة، ما يميز بين ولد و بنت.. كنا نروح المدرسة مع بعض، و ندرس جميعًا بصف واحد، وعلي طاوله واحده، و نروح سوي، و نلعب سوي، وما نفكر بأشياء خبيثه عاهره.. قلوب بيضاء.. الموظفون ينامون قبل العاشرة. و الأمهات يحممّن الأولاد في البالدي الكبير أو السطّل الكبير. و الزوجة في يوم الجمعة تخبئ سودة الدجاجة و قوانصها لتقليها للزوج دلالة على تدليله.. كانت لهجاتنا أحْلَى.. و قلوبنا أكبر.. و طموحاتنا بسيطة.. و مسكينة و ساذجة عفوانية.. كانت الحياة أكثر فقرا وبرداً وجوعاً، لكنها كَانتْ دائمًا خضراء.. !!. الله على ذاك الزمن البسيط البريء.. هنيئا للذين عاشوه.. شكرًا للصديقة التي أتصلت بي ظهر اليوم للأطمئنان علي صحتي و حالي، و ذكرتني بأيّامُ زمَان الماضي الجميل لأكتب عنه. 29/ديسمبر/2020م