التقيت جاري السابق ناصر السيد بعد صلاة الجمعة، وهو عسكري متقاعد، وبعد أن تبادلنا السلام قال لي لماذا لا تكتب عن معاشات المتقاعدين الضئيلة، أتعرف كم أستلم شهرياً؟، ودون أن ينتظر ردي، استطرد قائلا معاشي الشهري هو سته وعشرين ألف ريال، فقلت له غير معقول أن يكون هذا المبلغ الضئيل راتب شهر كامل، فهذا لا يغطي نفقات أسبوع واحد، فرد قائلا، نعم فهو لا يكفي لتغطية نفقة وجبة الفطور فقط خلال الشهر!، وحينها مر بذاكرتي التذمر الذي تضمن أحاديث سمعتها من بعض المعاريف والأصدقاء عن معاشاتهم التقاعدية التي هبطت مع ارتفاع الحياة المعيشية، رغم خدماتهم الطويلة والمراكز الرفيعة التي تبوأها بعضهم في مرافقهم المدنية، أو الرتب العسكرية العالية الذي بلغها بعضا منهم في السلك العسكري، وذلك كان في فترة ما قبل الحرب، وقبل التهاوي المخيف لقيمة عملتنا المحلية والذي هي اليوم في الحضيض، فكيف هي حالتهم المعيشية في الوقت الحالي، وفي ظل هذا الارتفاع الجنوني للأسعار!. الجميع يدرك أن الهدف الأساسي من المعاش الشهري للمحال إلى التقاعد هو ضمان حياة كريمة للمتقاعد ولأسرته، بعد أن أفنى أجمل سنوات العمر في الكد والعمل وخدمة الوطن، لذا وضعت الدولة معيار لقيمة معاش المتقاعد، بحيث يحافظ على نفس الحالة والمستوى المعيشي السابق للمتقاعد على مدى العمر، فلذلك وضع مقياس عادل للمعاش، بحيث يكون مساويا لقيمة آخر راتب مستلم قبل الإحالة للتقاعد أو ربما يزيد قليلا، ولكن ما يجري اليوم وبعد سنوات عديدة من التقاعد هو ضياع ذلك المعيار، فلم يعد للمتقاعد سوى الرقم الإسمي لمبلغ المعاش والذي فحواه لا تمثل قيمته الشرائية السابقة، على الإطلاق، فما يستلمه المتقاعد بعد مرور سنوات عديدة على تقاعده لا يساوي نصف ما تقاعد عليه، فأين ذهب المقياس العادل لراتب المتقاعد والذي يفترض أن يضمن له حياة معيشية آمنة؟!. لا أحد ينكر أن البلاد تمر بأوضاع مزرية، ولا أحد يشك في تراكم قضايا كبيرة وملفات مثخنة، تقع جميعها على عاتق الحكومة الجديدة، ومع ذلك ينبغي على الحكومة إعطاء الأولوية للجانب المعيشي للمواطنين، وضمان حقوقهم، فكما يقع عليها صرف الرواتب المتعثرة وتأمين سلاسة انتظامها، يقع عليها أيضاً أن تبذل نفس القدر من الهمة، بل بهمة أكبر وضع معالجات وحلول شافية لرفع معاشات المتقاعدين العسكريين والمدنيين، فقد طالت فترة مطالباتهم بتعديل معاشاتهم ورفع سقف حدها الأدنى ولم تضع الحكومات السابقة لتلك المطالب الشرعية حلول منصفة، بل تنصلت جميعها من حمل تلك المسؤولية، وقد أدى ذلك إلى زيادة الهوة فتدهور المستوى المعيشي للمتقاعدين بشكل أكبر ومؤسف، مع استمرار اضمحلال قيمة الريال اليمني. كما ينبغي على فخامة الرئيس عبدربه منصور هادي النظر في قضية المتقاعدين، وتوجيه الحكومة الجديدة، حتى تضع المعالجات الكفيلة بحل قضيتهم، أكان عبر البحث عن مصدر تمويل داخلي أو بطلب تقديم الدعم المالي من الدول الغنية المجاورة لنا والبعيدة أيضا، فمعاناة المتقاعدين قد تضاعفت وانسدت أمامهم جميع السبل، فتالجاهل لقضيتهم يعتبر إجحاف كبير في حق شريحة واسعة في المجتمع، صبرت طويلا وتحملت كثيرا، وهي لا تزال تنتظر الهمة العالية من القيادة السياسية كي تخرج قضيتهم من حالة الجمود، إلى حالة التحرر لبلوغ الحل الشافي، الذي يرفع مستواهم المعيشي المتدني درجات إلى الأعلى، ولو بصورة تدريجية وعبر مراحل قليلة.