ست سنوات من الحرب ولم تبسط الشرعية نفوذها على الأجزاء الواقعة تحت تصرّف الحوثين، كان ذلك كفيلاً في نطاق السيطرة الجغرافيّة للحوثين أنفسهم بإن يتحوّث تحت ضغط الحرب، والفقر، والحاجة رقعة واسعة من السكان، فالذين يذهب بهم بؤسهم ملتحقون بالجبهات ريثما وهو يعملوا إلى جانبهم مكرهون يسقط منهم قتلاء كُثر ليتحوّلوا دراماتيكياً أسرهم وأقاربهم ومن عشيرتهم من حينها حوثيون بالوكالة ودون قيداً او شرط، وهم يسيرون خلف جنازة من يسقط ودون سابق إنذار بتأثير الحميّة سيرددون الصرخة شأنهم شأن من يمضي في هذا الطريق، وإذا أردنا أن نحسبها حسابا دقيقاً ماعلينا إلا أن نجمّل كم من هذا على الشاكلة تلك صار اليوم؟ وكم من هولاء قضوا نحبهم بهذه الطريقة؟ فسنعرف بالتأكيد المعادلة الرقمّية وكيف أصبح الحوثين من 2015م إلى اليوم رقماً صعب والتعامل معهم لإستقرار البلد والمنطقة شأنا أم أبينا أمراً في غاية الأهميّة؟. وهذا بالفعل ما بداء يتجلى بخطاب بايدن أخيراً ومدى فداحة المؤمرة والتي نبّهنا منها مراراً وتكرارا وقلنا: أن التمادي في حسم الصراع لا يعني من المصالح للجنوب بشيئ ولا للشمال بشيئ آخر، ولكنه يندّرج ضمن إجندات تعني للحوثين الكثير والكثير فمن التهيئة إلى التجهيز وصولاً إلى معانقة الهدف كل ذلك ما كان يقصده ويرومه القوم. فما مرَ من عِجاف الحرب يقودها التحالف العربي ممثلاً بدولتي السعودية، والإمارات جعلت من الحوثي أمراً واقعاً أستطاع بموجبه وتحت يافطة الشرعية نفسها تأكيد تمدده على اليمن، فبقاء المعركة متوقّفة على تخوم مناطق معينة ولم تبارحها منذو سنواتها الأولى وبالرغم من ما بذل من تضحيات جسام في مقابلها، لكنها ظلت مجرد محاولات بائسة لا تقدم ولا تآخر، يزكيّها الحوثين بما صار لديهم من مقابر تعج بالأف الفتلى ومنتشرة على كل ربوع مديرية ومحافظة تقع تحت سيطرتهم ناهيك عن عدد الجرحى، ليُعد ذلك دليلاً قاطعاً على محاولة تصدّرهم كطرف فاعل في المشهد السياسي لليمن مستقبلاً، وبحجم يتناسب مع حجم الطرف الثاني الذي يرتفع طائرا في السماء يختزل ويضم تحت لواء أجنحته أطياف عديدة يتألفون من بين أتباعه الجنوبين والشمالين على حدٍ سوأ. بما يبرهن أننا بتنا على مقربة من تموضعات جديدة غير مألوفة لنا كيمنين، وتبعد كثيرًا عن المشاريع التقليدية الطافية على السطح المعروفة بأنتماءتها وهوياتها والمختلفة. فأبطال السلام القادمين لم يجهّزوا من ذات اليوم ولكن بدء إعدادهم من حين غادر الحوثيون كهوف جبال مران ورازح حاملين معهم عدّتهم وعتادهم تغمرهم الفرحة وهم يزفوّن تحت وقع البنادق والمدافع ومتوجهون صوب العاصمة صنعاء كبديل أنذاك لما سمي بديكتاتورية صالح المنتهي صلاحيته، لتضهر أبعاد ذلك المشروع الآن بشكلٍ واضح وجلي للعيان ولا محالة أننا أصبحنا أمام إتحافات قادمة ستعجّل من حسم الصراع العسكري نهائياً، لكنها بالمقابل ستجعل من جغرافيتة وشعبويته تقوم على جغرافيات وشعبويات حدود غير تقليديّة لنا، ولتضعنا ندور على فلك تقاسم النفوذ والمصالح بمحاصات أحزاب ذات إنتماءات طائفيّة وولاءات مذهبيّة وتتألف من بين سنة، وشيعة، وزيدية. فخوض غمار منازلة الصراع لم تحسم أمرها كل تلك الجيوش المرابطة من الحديدة وصولا إلى الحد الجنوبي السعودي (نجران جيزان ) هي بمثابة شهادة زور دامغة على عنفوان مشروع الحوثين السلالي وعلى حساب المذاهب الآخرى أبرزها مذهب الزيدية المستباح من قبل مارقين تناوبوا على حكم صنعاء ولم يراعوا لمسابحها ذات الإنحدار التكويني الموائم ما بين جميع الأطياف، وقد ظل قائماً وعلى المدى بمنهج فلسفي ديني عامر بالحيوية والنشاط ومنذو مايقارب الألف سنة وهو مستمراً محافظ على تقيّده بالثوابت والأعراف لينظر إليه من أفضلها إعتدالا وتسامحاً قبولا بالآخر. فخطٌة بايدن ورؤيته لكيفيّة الحل متسرعاً في تكليف مبعوثه إلى اليمن لا تبعد كثيراً عن ما خطط له من سابق في عهد سلفه باراك أوباما وهو سلام لا يقوم على المرجعيات الثلاث أبرزها القرار الأممي (2216) لكنه على ما يبدوا من بعد إخراج الحوثين من تصنيف قائمة الأرهاب قد تحوّل مهملاً لها وكما قيل الغاية تبررها الوسيلة (صون دماء اليمنين ) ليشرع من ساعتها يتعامل معهم من باب سياسة الأمر الواقع لنغدو أن تم له ذلك أمام سيناريوا جديد يشبه إلى حدَ بعيد سيناريوا لبنان والعراق.