ظل و لا يزال "المزاج العام" في الجنوب رهين الحسابات المناطقية الضيقة و الخطابات الشعبوية العاطفية الأنشاء و المصحوبة بالمؤثرات الصوتية الطافحة بالكلمات و العبارات العنصرية و المحرضة على إنتزاع المطالب الحقوقية بالقوة و لو تطلب الأمر ان تهرق دماء الأبرياء في سبيل النفاذ الجنوبي لتحقيق تلك المطالبات فلا بأس ..؟! وبالطبع ذلك "التنظير الأهوج" بحسب وجهة نظر الجماعات المتطرفة غير المؤهلة اخلاقيا و معرفيا . و تلك الجماعات المتطرفة عينها هي التي قادت المرحلة السياسية المعاصرة في الجنوب و صنعت طراز المزاج العام في الشارع الجنوبي طيلة سنوات خلت و ولت و انتجت الصيغة النهائية لتلك التوجهات الفاشلة مضمونا و التي بات لا يتقبلها اليوم السواد الأعظم من الجنوبيين نظرا للتجاوزات و الأنتهاكات التي ارتكبت على يد المندفعين و المتهورين و المغيبين عن الوعي في مرحلة عبثية ولا تمت بصلة للاهداف الإنسانية النبيلة التي انطلقت على اساسها "الاحتجاجات السلمية للحراك الجنوبي المؤسس للقضية الجنوبية " . و لكن مايدعونا لطرق مسألة المزاج العام في الجنوب و نحن نمخر عباب "سفر إصحاحنا الخامس والعشرون" و الذي قد يكون بمثابة "استطلاع للرأي" له علاقة و ثيقة و شديدة الصلة بالنتاج السياسي لحالة الإنقسام السياسية الجنوبية و التي ألغت بضلالها على المزاج المنقسم للجنوبيين من باب المندب إلى المهرة ، و كنت قد سألت قبل اعوام في إحدى المنتديات عن رأئيي و تقييمي و تعريفي للجنوب كجغرافيا و أرض و مساحة ؟! و لا زلت أتذكر توصيفي لتعريفي الذي قلته لبعض الأخوة و الأخوات في تلك الامسية النقاشية وأتذكر اني عرفت الجنوب و قلت التالي : "الجنوب فضاء جغرافي خالي تماما من الفعل السياسي الخلاق و المنظم للأنتصار " . و لازلت أتذكر كيف و جمت الوجوه و شخصت الأبصار !! و مع ذلك سبق السيف العذل و لا فائدة من أجترار كل التحذيرات و المؤخذات و التحفظات و التي اطلقناها و منذ وقت مبكر و لكنها لن تجد أذان صاغية و لا أفهاما ناضجة ولا عقول واعية شأنها شأن حال الكثير و الكثير من الرؤى و الاطروحات السياسية الجادة و التي لاقت نفس المصير الذي لقته اطروحاتنا ورؤانا . و عندما نقول مزاج عام ، فنحن نعني المزاج و الرأي العام الذي يغلب على "نسبة الاكثرية" لا الرأي الفئوي أو "العصبوي المناطقي" .. و سنعطي بعض الأمثلة المعاصرة للمزاج العام السائد في أكثر من منطقة و محافظة جنوبية و بحسب حجمها و مكانتها ، ولنبدأ بحضرموت . و الذي نجده مزاجا مختلفا و مغايرا و لا يكترث بتأثيرات المناخ السياسي العام في الجنوب و الحضارم اليوم باتوا متيقنون و مقتنعون و أكثر من أي وقت مضى بالضرورة الحضرمية و الملحة لهم منذ عقود و هي استحقاق حضرموت الحصول على نظام "حكم ذاتي واسع الصلاحيات" مستقل القرار و السيادة و خارج عن أي حسابات سياسية جامعة تحت سقف الجنوب الواحد . و من يكذب هكذا خيار و استحقاق حضرمي طاغي و مسيطر على المزاج العام في حضرموت فإما ان يكون مزايدا أو منتفع له توجهاته التي لا يروق لها المزاج العام للأخوة الحضارم و الذين سعوا و أنجزوا و بواقعية سياسية بعيدة عن الشطط و المغامرات السياسية غير المحسوبة و ما مكون "حضرموت الجامع" إلا البداية الحضرمية . و كذلك الحال في المهرة بالنسبة للمهريين و إن كانت المهرة تعيش حالة من التجاذبات السياسية المنقسمة الولاءاءت الخارجية إلا ان المزاج المهري العام لا يختلف كثيرا عن المزاج الحضرمي و متى ما استقرت الأوضاع و تمخضت عن حل سياسي شامل للأزمة اليمنية برمتها فلا أظن المهريين أقل حنكة و دراية و استيعابا للمرحلة السياسية من الحضارم و التي و على مايبدو بأنها تتجه صوب "خطة أقلمة معدلة". و قد لا يكون المزاج العام للسقطريين بأرخبيل "جزيرة سقطرى" ببعيد عن النموذجين الحضرمي و المهري و ذلك نظرا لان "الأقليم الشرقي" في الجنوب اساسا له مزاج عام مختلف تماما عن المزاج المعهود في "الأقليم الجنوبي" عامة و لذلك اسباب و اعتبارات تاريخية تتعلق بالسياسات الخاطئة و المجحفة و التي اقصت وهمشت الحضارم و المهريين و السقطريين في مراحل عديدة و تركت لدى غالبية الجنوبيين هناك نزعة مجتمعية أهلية بعدم الثقة بالمكونات و الفصائل السياسية في الاقليم الجنوبي للجنوب والتي لطالما ما استحوذت على القرار و النفوذ و السلطة دون أي اعتبار لمبادئ الشراكة الوطنية وتوزيع الثروة و السلطة و المحاصصة في حدودها الأقصى إذا افترضنا جدلا بأن هناك قيادة حقيقية تدرك أهمية هكذا محددات سياسية لم تستطع أن تؤسسها لنجاحها في نطاقها و الذي يعج بالفساد و المحسوبية و الاعتبارات السياسية المبنية على اساس مناطقي أزلي . و أما مايتعلق بالمزاج العام في شبوة فيبدو أكثر و ضوحا من أي فترات سابقة و قد قطع اشواطا متقدمة في اتجاه التأسيس الفعلي لنيل شبوة و أبناءها استحقاق "الحكم الذاتي الواسع الصلاحيات" و الذي يمكن الشبوانيين من ثرواتهم و مخزونهم الاقتصادي الضخم و المهول و يمهد لمرحلة استقرار حقيقية بعد ان نجح الشبوانيين في صناعة أنموذج مبدئي لنهضة و تنمية شبوة في ظرف الحرب و الحصار و في صورة قل ان نجد لها نظائر تماثلها في صحتهاو نجاعة خطواتها السياسية المتسمة بالعقلانية و الأداء السياسي البعيد عن الشعارات السياسية الفارغة . و عن الاقليم الجنوبي فإن المزاج العام في أبين لايبدو مغايرا و مختلفا عن المزاج العام الذي يخيم على عموم محافظات الاقليم الشرقي و لعله ترسخ و بشكل أكبر بعد احداث الصراعات المسلحة الأخيرة في العامين الماضيين و التي جعلت الكثير من الفئات و القطاعات و الفعاليات السياسية في أبين تعيد النظر في حساباتها و تقيم المرحلة بواقعية سياسية متجردة من رواسب و عوالق كوارث "الانتهازية السياسية" و التي شعر ممارسوها متأخرا بفداحة الخطأ الكارثي الذي مورس تجاه أبين و ذلك لأن أبين في الاساس هي المحرك و المشغل السياسي للفعل السياسي العام و للمزاج السياسي العام للجنوب عموما و الذي لطالما حددته طبيعة العلاقة بين "الجناحين المتصارعين" في الجنوب ولذلك يبدو جليا و واضحا ان أبين خرجت تماما عن مسار "العقلية الإنغلاقية" و اختارت البحث عن خيارات الحكم المتعدد الصلاحيات ذاتي السيادة و القرار . و فيما يخص المزاج العام في عدن فانه بات في حالة انقلاب ثابتة و كاسحة و بات اكثر استعدادا لتقبل آليات حلول سياسية و بل وفورية تضمن تحقيق الاستقرار و الأمن و العدالة الاجتماعية في واقع صعب تعيش على وقعه و تدفع ثمن صراع سياسي استقطابي تحركه محركات تشغيل خارجية و تتستر ادواته المنفذة لأجنداته تحت سقف إدعاءات و طنية خارجة عن الواقع و الذي تجسدة و هي تتناقض مع شعاراتها فسادا و نهبا و جباية و بعقلية مناطقية لا توجد في حساباتها أي حسابات وطنية صادقة تنصف العدنيين و تلبي مطالباتهم و طموحاتهم و حقوقهم المنتهكة و الضائعة .. ولأجل ذلك سقطت كل الشعارات و الاعتبارات لدى نطاق واسع من العدنيين و باتوا يتطلعون لأنموذج حكم ذاتي يلبي ماحلموا به ليعوضوا من خلاله خساراتهم المزمنة و التراكمية و لعقود مع الصراعات السياسية التي لم يجنوا منها غير المرار و الإقصاء و التهميش . و بالنسبة للمزاج العام في لحج نستطيع ان نصفه بالنموذج الذي يعبر عن "حالة إنقسام" تكافئية النسبية و لها اعتباراتها المنطقية و الموضوعية على اعتبار ان المكون السياسي الذي يتبنى القضية الجنوبية من منظورة السياسي الخاص يعبر عن طرف مستقل بذاته في تركيبة حالة الانقسام تلك و في المقابل له هناك طرف مضاد و مناوى لتوجهاته واعتباراته السياسية بطبيعة الحال و بات مزاجه العام يغرد خارج سربه كلية و هو تطور ناتج عن مقدار و حجم الانتهاكات و التجاوزات التي لحقت ببعض رموزه و شخصياته الوطنية و وجاهاته القبلية المعتبرة و المؤثرة و التي باتت توجهاتها و تحركاتها العملية بعيدة كل البعد عن الطرف الأخر.. فعن أي دولة و وطن نتحدث.