---------------------------------------- # بقلم : عفراء خالد الحريري # رحلت من أستمديت منها ثقافة الصوت الحر للنساء و الفكر المستنير في زمن تحرر المرأة العربية الذي تراجع سنوات عديدة للوراء . كانت مؤلفاتها أول ماقرأت وبنهم عن حرية عقل و قدسية الجسد المرأة ، و0لية فرض إحترامها عقلا وجسدا ، في مراحل مبكرة جدا من عمري ، وأنا في السادس إبتدائي تحديداً ولم يكن هناك قيد من أبي رحمة الله عليه وأمي حفظها الله في عافيتها و عمرها ، عن القراءة في كتب نوال ، في حين كانت كثير من الصديقات يستغربن ذلك ، وكبرت و كن يستهزأن بي ، و أستمريت أقرأ كنت معجبة و أكثر من مجرد الاعجاب بكل حرف مطبوع خطته أناملها ، لم يغيب كتاب أو رواية لنوال السعداوي ، أكثر من خمسين مؤلف لها بين قصة ورواية ومسرحية وسيرة ذاتية عن مكتبتي في بيتنا الذي ألتهمه نائب وزير الداخلية آنذاك( حسين بن عرب )عام 1994م بجميع مافيه من ذكريات و كتب وأثاث وصور ، و عشمي بأن يقرأ ماكان في تلك المكتبة وأن كنت أشك في ذلك . أحببت في نوال السعداوي تلك الروح المحلقة في حرية لا حدود لها ولا قيود ، المتمردة على مجتمع يتستر بالفضيلة ويدعيها وهو يمارس كل الرذال قولا وفعلا ، ويجاهر بالسوء ضد المرأة على أنه أمر مستحب و مسموح به و يتنقل بين زوايا الثالوث المقدس الذي وضعه الذكور كما يشأوون ( الدين ، الجنس ، السياسة ) ، لمحاصرة المرأة العربية و سبيها للطاعة ولا غير الطاعة للرجل بمختلف وضعه العائلي وبغض النظر أن كان رجل موقف أو رجل ذكر فقط ، و في مجال الطاعة تتجسد التهديدات نحو المرأة عندما يتعلق الأمر بالزوج ، حيث يتساوى في وضع طاعته مع الله عزوجل ، وفق منطق أحمق و مغلوط ، و على المرأة أن تقبل البقاء في هذا السجن ، لأنها ستحاسب و تعاقب أشد عقاب . لا أخفي ولا أخاف ان قلت بأن نوال السعداوي هي نموذج المرأة التي أطمح إلى حد ما بأن أكون ، مع بعض الاختلافات لأني أعتز بأن لي شخصيتي المستقلة عنها و عن غيرها . ألتقيت نوال السعداوي في بيروت في مؤتمر دور المرأة ومنظمات المجتمع المدني قي ثورات الربيع العربي يونيو2011م ، قدمت حينها ورقة عمل في ذات الموضوع وبحضور ( أ.كريمة مرشد ) وجلست معها في نقاش طويل ، وكانت متألمه على وضع المرأة اليمنية ( وكانت تقصد هنا جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية ) الذي تراجع كثيرا بعد تحقيق الوحدة ، وطلبت مني بأن أسرد لها تلك الحكاية كما سمتها ، فتقول لي بلهجة مصرية : هو انتو جرى لكو أيه ؟! وبعد سين وجيم ، يتخلله دعابة المصريات حين يتحدثن في السياسة . كان هو اللقاء الأول والأخير معها لم انته اليوم الأول من الحكاية إلا وهي تطلبني عند انتهاء فعاليات المؤتمر في اليوم الثاني . كانت في قمة التواضع و البساطة لم تلطخ وجهها بطلاء التجميل واسمنته و ترابه ، مثلما هي في صورتها كانت لاتختلف عما هي عليه على الإطلاق . شعر تراجيدي أبيض كالثلج و صفاء نفسها الطيبة ، شفاه لاتغادرها ابتسامة ناعمة تطل منها أسنانها الامامية قليل ، فيأتي بعض ضوء من روحها النقية . ظننت في البدء أنها ستسخر مني وأنا أحاول رص العبارات في خجل ، وأنا أمام نوال السعداوي في وقت الاستراحة وهي تسأل عن أحداث ثورة الربيع العربي ومافعلته المرأة اليمنية ، حيث كان موضوع من مواضيع المؤتمر أيضا. على الرغم من خجلي وتواضعها ، إلا أن سعادة الدنيا كانت تملأني وأنا في حضرت نوال السعداوي امرأة الجدل الذي لم يجرؤ الرجال على الاختلاف معه كليا أو الاتفاق معه كليا ، لم يكن يوما في مخيلتي بأني سأكون في لقاء كهذا يجمعني بنوال السعداوي وهي تستمع إلى ورقة عمل قدمتها في ذلك المؤتمر الذي جمع هامات نسائية عظيمة من كل بقاع الوطن العربي الذي ظهرت فيه ثورة الربيع كما كانت تسمى . رحلت نوال السعداوي بعد عمر مديد من العطاء ، ورحلة عمر زاخرة بالانجازات قالما تحقق المرأة العربية مثلها . خسرت المرأة العربية ، كثيرا برحيل أول مقاومة للثالوث المقدس ، و المدافعة عن المرأة العربية كقضية مجتمع خائف من الجنس الأقوى في تحديد هويته ، وانها المرأة وهي التي تلد وتربي من تبقى فيه . تبكيك الروح قبل العين ، أيتها الراحلة منا جسداً والباقية فينا عقل وروح .