بالمبادرة السعودية غدى مجمل الشعب اليمني على يقيناً كاملاً بإنّ الغطاء الذي تدخّل بموجبه التحالف العربي عسكريّاً في اليمن، صار حاضراً منحلّا من قبل صاحبة المبادرة نفسها، هذا ومن بعد ما بدأت تشرع في سلام مع الحوثين، ليعد ذلك إشارة واضحة عن بلوغ لصراع اليمني مراحله الأخيرة. وما يساور الجميع: ما الذي تبدّل للشرعية من قبل عام او عامين إلى اربعة اعوام حتى يلوّح هكذا جزافياً بالسلام.. وما جنته من فوائد إلى هذه اللحضة..ألم تكن الأمور هي. هي نفسها لم تتغير.. أم أنّ هناك سراً مجهول يدور من خلف الكواليس بما لا تستطيع بصيرة الموطن العادي إستدراكه؟؟
المسألة هنا لا تقبل تأويل محدد ولكن هو الشك المبني على عدم اليقين بإنه لا يوجد في جعبة دولة السعودية أستراتيجية نافعة ومحددة لسياستها أزاء مشاكل المنطقة جميعاً، وبما يسمى بالخطوط الحمراء لديها دائما تفقد جوهرها وبريقها عند اول صدمة تقابلها.
فمنذ إنطلاق عاصفة الحزم حرصاً من تلك الدولة على ضرورة وأد الإنقلاب بالكامل، وفور وصول الحوثين عدن صلٌت صلاة الإستخارة مرتين وعند كل مرة ترى فيها أن الحوثين عزّروا بالشعب اليمني أشد تعزير وواجب عليها أن تجعلهم عبرة لمن أعتبر، لكن من بعد ذلك ماشهدناه ولا زلنا نشهده إلا سلاسل من العذاب الممتدة ولعدة سنوات تجري على طول وعرض البلاد يصعق بها من صعق لم تصب آل الحوثي بالرعب قدر ما تخطته لهيباً إلى كل آتجاهٍ وجانبٍ.
وصولاً لهذا اليوم الذي يفاجأ السعوديون فيه العالم بمبادرة سلام تزامن إطلاقها مع الذكرى السادسة للحرب ولإنطلاق عاصفة الحزم، ليصرح وزير خارجيتها بحديث مقتضب متحاشياً الدخول في التفاصيل خشية التأثير المباشر على المزاج اليمني، ولأن في مجملها ومن الباب نفسه لا تهمل جوانب رئيسية لأهميتها لكنها على ما يضهر هذه المرة لا تستوعبها إلا من باب التسلية والمناورة فقط.
فمن خلال القراءة الأولية هي ترمي الكرة في ملعب اليمنين جميعاً بلا استثناء بعتبارهم طرف أصيل في الأزمة عن غير البقيٌة، ومايفهم من سياق تبنيّها هي للمبادرة إلا نأياً بنفسها عن ما قطعته على نفسها من وعود سابقة، ومن بعد ما كانت طرف رئيسي في الصراع إذ تتحول أليّاً إلى وسيط بين الجانبين، ليعد ذلك للملاء بمثابة إعتراف ضمني بالحوثيين.
فكما هي المملكة السعودية صارت تدرك أن تأثيرها شمال اليمن يكاد لا يذكر إن لم يكن هو منعدما بالمرة، هي أيضاً على معرفة مؤكدة بأن موقعها لم يعد اليوم بأحسن حال جنوباً وبين الأثنين تقر مؤخراً بسقوط الشرعية في مكان لكن لا يعني ذلك إسقاطها في الأماكن كلها، لهذا سارعت بإجراء إستباقي للقيام بالعديد من التعديلات على سياستها الأقليمية والدولية بهدف قطع الطريق على اي من التيارات المناوئة لها والتي قد تجد لها أذاناً ساغية حال نشوءها، محاولة بذلك عزلها وكتم أنفاسها قبل ولادتها.