يعتز الإنجليز بأنهم من أكثر شعوب العالم حبا للحيوانات والعطف عليها. يروون لك شتى الحكايات والوقائع عن مدى تعلقهم بها، ولا سيما بالقطط والكلاب. ومن المعتاد عندهم حالما يرزقهم الله بطفل أن يرزقوه بقطة أو كلب ينشأ معه. وقد أصبح من الشائع بينهم أن من يطمح للفوز في الانتخابات ويحصل على أكثر الأصوات ما عليه إلا أن يظهر بين الناخبين مع قطة أو كلب. لا يعنيهم إن كانت معه زوجة أو لا، المهم أن يكون عنده كلب ظريف أو قط حسن الصورة. منطقة كفنت غاردن بلندن منطقة تغص بالمتسولين. كان منهم الشحاذ جيمس بوين. لاحظ قطا ذكرا ظريفا يتقدم منه، يجلس بجانبه، ثم ينتقل فيضجع في حضنه، ثم يشخر بالنوم هانئا. وكأي رجل إنجليزي، مد يده وراح يمسح على فرائه الناعم، فازداد رضا وسعادة. بادر فأطعمه شيئا من زاده، فتعاظم تعلقه به. حل المساء فتبعه إلى حيث اعتاد النوم. وتكرر هذا البرنامج في اليوم التالي واليوم الذي بعده. لا توجد في بريطانيا قطط أو كلاب سائبة. فخطر للشحاذ جيمس أنه ربما قد استأثر بقطة أحد الناس فيعتبرونها سرقة منه. نعم، هناك كثير من اللصوص في بريطانيا، ولكنني لم أسمع عن أحد منهم يسرق قطا. راح جيمس يطرق أبواب الدور المجاورة حاملا هذا القط ويسألهم عما إذا كان يعود لهم. وكان الجواب بالنفي منهم جميعا. فاعتبره صيدا حلالا، واعتبره القط أبا شرعيا له، وانتمى لمعشر الشحاذين؛ يشحذ معه، ويقاسمه صدقات المحسنين من طعام وحليب، وعمّده جيمس باسم «بوب». المعروف عن الكلاب أنها تتبع صاحبها، ولكن القطط تنتظر من صاحبها أن يتبعها هو. غير أن هذا القط، بوب، شذ عن هذه القاعدة. راح يتبع جيمس أينما ذهب. وحتى عندما ركب القطار من محطة كفنت غاردن، رأى بوب يقفز معه ويحتل المقعد المجاور له. وشاعت في المنطقة حكاية هذين المخلوقين. كان جيمس بوين من الشحاذين المثقفين، أو قل من المثقفين الشحاذين، مثل كثير من مثقفينا. فخطر له أن يكتب كتابا عن حياته مع بوب، فعل ذلك فتلقفه الناشرون بشكل قلما حظيت بمثله، وما إن نشر كتابه «قط شوارع اسمه بوب» حتى هز قرائح النقاد والقراء وراح الناس يقفون في صفوف الطابور ليحصلوا على نسخة منه. وترجمت الحكاية إلى 22 لغة. وراح أبناء اليابان يقفون لساعات أمام دور الكتب ليحصلوا على نسختهم اليابانية. وكله شيء جميل. ولكن ما نصيب بوب منه؟ لا بد أن خطر لهذا القط أن يتساءل: «ما هذه الضجة (يا عالمين)؟ حقا إن بني البشر مخلوقات عجيبة. يموت الألوف منهم جوعا، أو قتلا في فلسطين ولا أحد يعبأ بقراءة سطر واحد عنهم. وها هم يتكالبون على حكاية (بسا) يصاحب إنسا». سؤال وجيه وخاطرة لا بد أن خطرت للشحاذ العزيز بوب. فاشترى جيمس بوين كومبيوترا جديدا وراح يكتب كتابه الجديد: «العالم كما يراه بوب»! وتزاحم الجمهور على دور الكتب ليحصلوا على نسخة منه، في حين تزاحم السياح الأجانب بكاميراتهم يوما بعد يوم ليصوروا هذا القط الشحاذ الفريد، ويعودوا لأوطانهم بصور ناطقة عن عجائب الشحاذة في لندن. *من خالد القشطيني