كنت قد تغيبت فترة من الزمن عن الحبيبة عدن , ولما حان ألقاء جاشت في نفسي ذكريات عدن الجميلة , عدنالمدينة الوادعة والهادئة والجميلة , كم اشتقنا إلى برها, إلى بحرها, إلى حدائقها , إلى مساجدها ,إلى أهلها وناسها الطيبين ,إلى كل ما في عدن من جمال وروعة وبهاء .... لكن ما إن وصلت إلى عدن حتى تذكرت قول القائل :
فما الناسُ با الناسِ الذين عهدتهم
ولا الدارُ با الدارِ التي كنتُ اعهدُ
تفا جئت بتلك الصورة القاتمة والحالة المزرية التي وصلت إليها عدن ,الطريق مليئة بالنفايات والأحجار ومخلفات ألبنا ,الكهرباء مقطوعة ,الأسعار في ارتفاع ,والناس تصحو وتنام على وقع الاشتباكات ودوي الانفجارات ,كل شيء في عدن يتغير إلى الاسواء ,حتى الناس تغيرت أخلاقهم وسلوكياتهم ,وفقدت من على وجوههم تلك الابتسامة الحانية ,فلا ترى إلا وجوه عابسة ونضرات شاحبة وزفرات تتصاعد ,غابت عن عدن كل لغات الدنيا ,إلا لغة العنف والرصاص ,بعد أن كانت مثل يحتذى في السلمية والنضال الحضاري .
المذنبون في حق عدن اليوم هم المذنبون في حقها با الامس ,وكل من تعاقبوا على حكمها حكموها بالنار والحديد ,وارتكبوا فيها عظائم الأمور,ومع ذلك عدن تصفح وتسامح وتنسى .
صدقوني لم أكن أتوقع في يوم من الأيام أن أرى عدن بهذا الحال .
والسبب فيما نعيشه اليوم من واقع مؤلم وفي "نظري" هو أننا أَصبنا من قبل أنفسنا ,وهذا حصاد زرعنا, ونتاج كسبنا ,قال تعالى:
الواقع المؤلم الذي نعيشه اليوم هو ثمن صمتنا عن الظلم ,ومعاونتنا للظالمين ,وسيرنا في ركابهم برهة من الزمن ,ثمن مجانبتنا للصواب ,وسيرنا في طريق الظلال يوم من الدهر ,ثمن تمجيدنا لصور الزعماء وإجحافنا بحق الشهداء ,ثمن تفردنا با الرأي الواحد....والقائمة تطول....
مع ذلك فهي منحه ربانية لتصحيح المسار ,والعودة إلى جادة الصواب , وتجاوز الخلاف ,والاستفادة من الماضي واخذ الدروس والعبر,ففي البلية عطية _كما يقولون_ ورب محنة في طيها منحة :
قد ينعمُ اللهُ بالبلوى وإن عظمت
ويبتلي الله بعض الناس بالنعمِ
وبعد فهذه نصيحتي أولاً : لشباب ألامه وجيلها الصاعد ,فهم بعد الله الأمل ,عليهم أن يشحذوا الهمم ,ويشدو العزائم للنهوض با ألامة من دوامة الفتن والصراع إلى شاطئ الخير والسلام .
ثانياً : إلى أصحاب لعبة السياسة ,أيها الساسة ,أيها الفر قاء , أيها الرفاق , أخذتم كل شيء فدعوا لنا عدن .
ثالثاً :إلى أهل عدن إن التغيير المنشود يسير ألان في الطريق الخطأ ,لابد من إعادة تصحيح المسار إلى الطريق القويم , وإزالة كل المظاهر السلبية من عدن ,ونحن بحاجه إلى ثورة اكبر ضد القيم الدخيلة على المجتمع , والكل معني في ذلك , الفرد والاسرة والمجتمع والامة كلها , وتذكر وان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما