كانت المرة الأولى ، التي يتقلد فيها منصباً وزارياً ، حمل معاليه حقيبته الوزارية وانطلق بها مسرعاً نحو بيته ، لم يكن يصدق أنه ظفر بها أخيراً ، فقد كلفته الكثير..! أغلقت زوجته عليه باب غرفة نومه – حسب طلبه – وهي تتمتم بفرح: الحمد لله ، سنبني لنا فيلا في (حده) ! لكنها تذكرت أنها قد قالت تلك العبارة سابقاً ، فهم يمتلكون واحدة بالفعل ، ويقيمون فيها ، منذ كان زوجها نائباً برلمانياً فصيحاً ! استدركت تقول: زيادة الخير خيرين..! فتح الحقيبة ببطء وحذر ، وكأنه يخشى أن تنفجر.. ارتسمت على وجهه علامات الدهشة ، فلم تكن تحتوي على الكثير ، مجرد رسالة صغيرة ، وبجانبها كتاب ! تناول الرسالة ، ليقرأ :
معالي السيد الوزير.. نبارك لكم الثقة التي منحناكم إياها ، والامتيازات التي ستحصلون بفضلنا عليها ، ونود تذكير معاليكم ، بتعهداتكم السرية ، لا للشعب بل لنا ، وحتمية الوفاء بالتزاماتكم الغير معلنة تجاهنا ، وليستوعب سيادتكم ، أطال الله عهدكم ، القواعد الثلاث التالية: - الوصول للحقيبة صعب ، لكن الحفاظ عليها أكثر صعوبة. - من أكل (بالثنتين) اختنق. - رحم الله (وزيرا) عرف قدر نفسه (الرخيص) عندنا.! تمنياتنا لكم بموفور الصحة والسعادة ، أدام الله (الحقيبة) لكم ، ما دمتم لنا..!
ملحوظة: الكتاب المرفق ، هديتنا إليكم ، قرأه من قبلكم ، فعاش دهراً في منصبه، كما نتمنى لكم.. مطالعة ممتعة فخامتكم !
بعد أن قرأ الرسالة باهتمام ، وأدرك حجم المسئولية الملقاة على عاتقه ، مد الوزير يده إلى الكتاب ، وأخرجه بهدوء وشغف من الحقيبة ، ليقرأ العنوان على غلافه : يا عزيزي كلنا لصوص..! تناهى إلى مسمعه ، صوت الأذان ، يصدح من المسجد المجاور ، فشعر لوهلة بالغرابة ، وكأنه وخز (ضمير) ، لكن كيف ، وقد دفعه ثمناً منذ سنوات لقاء منصبه الرسمي الأول.؟ قام بتثاقل نحو سجادة الصلاة ، وبينما ارتسمت على وجهه نظرة ماكرة ، كانت شفتاه ترددان: يا عزيزي كلنا لصوص.!