ان الاحتلال باصراره على ان الحوار الذى سيعقده هو انه يشكل المدخل لحل قضايا " اليمن " واولها القضية الجنوبية (ويجعل حلها فى يد كل " اليمنيين ") انما يعنى ضمنا ان الوضع فى الجنوب هو وضع شرعى لاغبار عليه ، وان حرب 1994 م مجرد خطأ قام به النظام " السابق "، وهو مضمون يخالف الواقع ونظرة الشعب الجنوبى وارادته. وبالتالى يريد الاحتلال من خلال فرض الحوار فرض ارادته ونظرته . ان صالح ونظامه كما وقع الوحدة وأعتُبر توقيعه شرعيا نقضها هو بنفسه ونظامه وحلفاؤه بالحرب ونقضه ايضا شرعي، واكثر شرعية من توقيعها لانهم اجمعوا كلهم على نقضها. لقد استبقى ( ج ع ى ) واستعادها - كما عبر مسدوس - باعلان الحرب، بعد ان طرد ممثلى (اليمن الديمقراطية) من صنعاء تماما ودمرالالوية هناك باتفاق مع القبائل. ثم غزى ( اليمن الديمراطية ) التى اعلنت سيادتها الدولية بعد سقوط الوحدة باعلان الحرب وشنها. وما نتج هو احتلال عسكرى مباشر. القوات التى دخلت الجنوب العربى هى قوات ( ج ع ى ) وهى قوات احتلال غير شرعية اطلاقا. وعلى إثرها تم تدمير مؤسسات الدولة السيادية والاستيلاء على منشآتها الانتاجية والخدمية واراضيها وبحارها وثرواتها. لقد احتفظت (ج ع ى) بكيانها على حساب كيان (اليمن الديمقراطية) واتخذت اعلان الوحدة خديعة.
لا حل للاحتلال الا الاستقلال. لاحل للوضع غير الشرعى الا زواله. لان غير استقلال الجنوب العربى، غير زوال الوضع غير الشرعى، فى هذه الحالة لن يكون الا لعبة؛ لعبة بشعب ومصير شعب، عبر مغالطة ضمنة فى خطاب الاحتلال المخادع ترفض اعتبار الاحتلال احتلال بل حكم شرعى لاستدراج الجنوبيين للحوار. ان اعتبار حرب 1994 م شرعية، او ان نتائجها شرعية، هوتاييد للوضع غير الشرعى، هو مشاركة فى احتلال الجنوب العربى.
ومغالطة من يدافعون عن الاحتلال تتمثل فى القول ان حرب 1994 م هى خطأ صالح ونظامه، ولكن ماجرى بعدها هو امر شرعى لاغبار عليه. وما الفرق بينكم وبين صالح ونظامه ؟ (هذا اذا لم يكونوا شركاءه اصلا ). وتستكمل المغالطة بحصر اخطاء الحرب فى التسريح، اما النهب والقتل فهو مجرد فساد نظام طال الجميع. ويمكن ان يقولوا: انه طال الجنوب اكثر لاسترضاء الجنوبيين.
هذه المغالطة تقف ضمنيا خلف خطاب الاحتلال الذى يوجهه للجنوبيين. فعندما يدعو الجنوبيين للحوار باعتباره هو المخرج لمشاكل اليمن، انما يعتبر ضمنا ان وجوده شرعى فى الجنوب بشكل مطلق.
وتقف ايضا خلف القول الذى يزعم ان زوال نظام صالح ( بالاحرى راس النظام ) يعنى خطوة لتصحيح الخطأ الذى قام به صالح. هكذا بكل بساطة. انهم يعتبرون المسألة مسألة شخصية بين صالح وبين الشعب الجنوبى، وليس وضعا غير شرعى يتمثل فى وجود جيوش ( ج ع ى ) التى تحتل الشعب والارض؛ التى تحتل دولة (اليمن الديمقراطية). ويقع بعض الجنوبيين فى هذا المطب ويرد بعجلة بقوله: ان النظام لم يتغير ، وهذا يعنى ضمنا ان النظام اذا تغير سوف يتغير الاحتلال ويتحول الى حكم وطنى ويكتسب الشرعية التى يفتقدها.
لا يعنى تغير النظام فى دولة الاحتلال تغير حقيقة الاحتلال، لايعنى تغير النظام تغير الوضع من وضع غير شرعى الى وضع شرعى. فالجمهورية العربية اليمنية التى تحتل الجنوب العربى لا يمكن ان يكون احتلالها شرعيا بمجرد تغير نظامها. فلا علاقة لشرعية الوضع فى الجنوب بما يجرى فى ( ج ع ى ) ، تغير نظامها او لم يتغير.
يجب ان يعتمد الخطاب السياسى على كشف المغالطة الضمنية، وذلك بالتاكيد ان الوضع فى الجنوب العربى وضع احتلال غير شرعى من اساسه منذ حرب 1994 م. بالتالى لا يمكن ان تدخل فى حوار مع الاحتلال يعتبر الاحتلال وضعا شرعيا، لا يمكن ان تدخل فى حوار يناقش الوضع فى الجنوب على اساس انه شرعى، ان القبول بالحوار على اساس هذه الصفة انما يمنح الاحتلال شرعية يبحث عنها وفى امس الحاجة اليها.
ان الحديث عن تغير النظام من عدمه مفيد فى ناحية واحدة، انه سيقنع الذين يرون ان من حق الجنوبيين الانفصال اذا لم يتغير النظام. هنا يجب الحديث عن النظام بعمق، النظام السياسى بمعناه العام، وبيان تركيب السلطة فى (ج ع ى) المكون الرئيسى للنظام الذى يطبع الدولة بطابعها الخاص. اننا امام دولة قبيلة ، دولة تسيطر عليها وعلى مفاصلها قبيلة. اذا كانت الدولة ارض وشعب وسلطة، فان سلطة القبيلة ركن اساسى لسطلة الدولة، فالقبيلة فى ارضها سلطة تمثل قوة عسكرية، لها اعرافها وتقاليدها التى تسمو على القانون، ولها قضاها المستقل وهو ارفع من القضاء الرسمى. ومن القبيلة تتكون السلطة الرسمية، فالسلطة الرسمية امتداد للقبيلة، وهذا يفسر لماذا القبيلة فوق السلطة الرسمية، واكبر ضابط يضرب التحية العسكرية لشيخه (مجازاوبما حقيقة)، والشيخ فوق المحافظ واحيانا فوق الرئيس. والولاءات فى السلطة الرسمية والجيش للقبيلة. وتطور الوضع واصبح للقبيلة جيشها الرسمى (الفرقة الاولى) وحزبها الرسمى (الاصلاح)، الى جانب كيان القبيلة العسكرى السياسى.