عقب يوم واحد من توقيع اتفاق "السلم والشراكة" الوطنية في ال21 من سبتمبر الفائت، قال الرئيس هادي في كلمه له أن اليمنيين سيذكرون مستقبلاً أهمية ما حدث اليوم، مشيراً إلى أن البعض لم يتقبله الواقع الجديد، وبدا للبعض الآخر، صعباً وصادماً. كان الرئيس هادي يتحدث بصدق وصراحة كعادة خطابات الرجل الذي يقود اليمن في أصعب مراحله. وإذ بدا كالذي يستجدي اليمنيين ليتحملوا معه ويصبروا، وعد الرئيس هادي شباب اليمن بأن القادم سيكشف لهم الحقيقة التي ستصب في صالحهم دون شك. لقد وضع الرئيس هادي كافة المتابعين المحليين أمام صورة واضحة للذي حدث، على صعوبته. وكان الواقع الصعب هذا، متأتياً من انتشار مليشيات جماعة الحوثي مدعومة بأنصار الرئيس السابق في كافة شوارع صنعاء، بعد اقتحام بعض المؤسسات المدنية والعسكرية ومداهمة بعض المنازل والبيوت. في اللحظة الأخيرة لمخاض تلك الأحداث العصيبة، تجلت حكمة الرئيس هادي ومن معه من السياسيين الأوفياء بمختلف توجهاتهم. والمتابعون المتعمقون في الأحداث اليمنية الأخيرة، يصفون خطوة الرئيس هادي تلك ب"الجريئة"، مشيدين بما قام به هو ومن معه من السياسيين الشرفاء بمختلف توجهاتهم؛ خصوصاً حين عمدوا إلى امتصاص غضب جماعة متعطشة للموت ظلت تتقدم على الأرض بتنسيق واضح لكنه غير معلن مع رئيس يريد الإنتقام من كل شيء أدى إلى إزاحته من كرسي الحكم بعد 33 عاماً من الدفء الفاسد. جميعنا يعي أن ما حدث مثل صدمة للشارع اليمني، لكن اختلفت نسبة هذه الصدمة، وتعددت مستوياتها في أوساط المتابعين اليمنيين. فالحوثيون وأنصار صالح، كانوا يريدون من هادي أن يقرر الحرب ليمارسوا غواياتهم وسط جيش مايزال في طريقه للتعافى من ثقافة ثلاثة عقود، أو أنهم يريدونه أن يستسلم ليعلنوا إنتصارهم ويعودوا للواجهة مقوضين فكرة الثورة والتغيير وحتى مشروع الدولة أيضاً. غير أن المتابعين من أنصار الإصلاح والمشترك وبعض المستقلين، كانوا يريدون من هادي أن يشعل حرباً في صنعاء، إما حرصاً بريئاً على فكرة الدولة من الانهيار الشكلي الذي حدث، أو أن بعضهم كان يسعى في قرارة نفسه، للإنتصار لأفراد وجماعات ظل اليمن لسنوات يعمل من أجلها وينتصر لأهدافها ويجني كل شيء إلى جيبها بتواطؤ من الرئيس السابق ذاته، وهي رغبة إن كان تم الاستماع لها، فهي ستقود اليمن إلى الهاوية. ظل أنصار جماعة الأخوان، ومعهم المتعاطفون مع اللواء محسن، والمقربون من أسرة بيت الأحمر، يشيطنون ماحدث بشتى الوسائل والسبل؛ ربما لأنهم كانوا يريدون من الرئيس هادي أن يعلن حالة الطوارىء، ويزج بالجيش في مواجهة عسكرية تأتي على الأخضر واليابس. ربما أدركت القيادة السياسية الحكيمة أن هذه الحرب المطالب بها هادي ليرضى عنه البعض، ستكون نسخة أخرى من احتراب الجيش لسنوات مع الجماعة فيما كان الهدف منها من قبل بعض القوى، فكفكة القوة العسكرية الموحدة وإحداث فصل معنوي بين الجنود اليمنيين ونهب ما يمكن نهبه منها من المعسكرات. ودوناً عن إحداث نزيف في ميزانية الدولة، فإنها كانت أشبه بعملية إلهاء للشارع اليمني عن ممارسة أنشطة موازية هناك صنف ثالث في الوسط اليمني شعروا بصدمة مما حدث في سبتمبر الماضي، لكن ظل لديهم إحساس عالي بمسئولياتهم الوطنية والإنسانية، حتى وإن كان غالبيتهم من العاديين، ولذا، لم يبق هؤلاء على صدمتهم تلك أيام، حتى تأكدوا بالفعل، أن ما حدث كان ومايزال يصب في مصلحة الدولة اليمنية الحديثة؛ الدولة التي تتسع للجميع، بكل توجهاتهم وإنتماءاتهم وطموحاتهم. مراقبون مستقلون يعتقدون أن الرئيس هادي ومن معه من المسئوليين السياسيين والعسكريين الشرفاء والدبلوماسيين الأجانب الصادقين في دعمهم لليمن، ثبتوا في مكانهم الصحيح، المكان الذي تتطلب الحاجة الإنسانية والأخلاق الوطنية الوقوف فيه، ليس خوفاً من أحد أو تواطئاً مع أحد أو إستغناءًا وعبثاً بمشاعر وطموحات أحد. ما من شك في أن متابعين محليين وأجانب، ظلوا يشيدون بصبر وجلادة وقوة الرئيس هادي وثباته في وجه عاصفة المؤامرات المحلية والإقليمية. ولطالما صبر الرئيس على ترهات الساسة المتطرفون، والساسة المراهقون؛ ومؤخراً ظهر الشبل الحوثي يتحدث عن أن الرئيس هادي "دمية في أيدي البعض" متناسياً أن هادي أكبر منه سناً وأخلاقاً وسياسية. كان حري بهذا السياسي المستجد أن يكون حصيفاً بعض الشيء في خطابه، وأن يتحدث بأخلاق سياسية قبل الإلتزام المفترض بأخلاق سلالته التي يدعي. ذلك من العيب أن يتطاول شاب ثلاثيني على رجل سبعيني بمثابة والده، فمابال أن يتحدث بطل الكهف عن رئيس دولة، نعم رئيس دولة لطالما اتهم من الطرف المناقض للحوثيين بأنه هو من أدخلهم عمرانوصنعاء وأوصلهم لهذه المكانة التي لا يستحقونها. راقتني مفارقة جميلة كتبها أحد الصحفيين قدم من خلالها نصحاً للحوثي بأن لا يعتمد أسلوب الكبر و"الغرور الغبي" الذي كان لدى حميد الأحمر. وقد اتضح غرور الأحمر جلياً، حين سخر من الرئيس صالح عندما كان لايزال شرعياً قبل أن ترحله ثورة شعبية، وسخر أيضاً من الدولة وجيشها، وقال على شاشة إحدى الفضائيات أنه وراءه "حاشد". هنا، نوه الكاتب بأن نهاية عبدالملك الحوثي قد لا تقل عما حدث للشيخ الأحمر، وربما أن المآل الحزين والمخزي، قد يأتي نتيجة طبيعية للغرور والسخرية وعدم احترام الناس، مهما كانت صفاتهم ومناصبهم وانتماءاتهم. أثق جيداً أن شخص الرئيس هادي لايهتم لهذه الترهات الطفولية، ولا لتك التي ينثرونها بحقد وسفاهة، مثقفون ونشطاء وإعلاميين، لأنه على الأرجح، صاحب قضية قبل أن تكون وطنية فإنها قضية إنسانية، يريد الرجل من خلالها الإنتصار لحلم الملايين من الذين يبحثون عن وطن يترجم طموحاتهم الحياتية، يريدون يمن يفاخرون به، ينتمون له وينتمي إليهم. إن هادي ببساطة، رجل يثق بنفسه، ويثق أنه يشغل منصب "رئيس انتقالي" لليمن، ومهمته الأساسية تتمثل في الحفاظ على بلد تعتصره الأزمات ودواعي التشرذم والشتات. ولذا، فقد بادر المشير هادي للعمل الوطني بكل إخلاص وصدق، فمارس سلطاته في البحث مع كافة القوى اليمنية عن مخرج مناسب للجميع وتمثل في "مؤتمر الحوار الوطني ومخرجاته"، وظل حتى اليوم، ينشد وفاقاً صادقاً بين القوى المختلفة، وسعى إليه وقرب الجميع منه، وجعل المتطرفين سياسياً أو دينياً، يبحثون عن دولة رغماً عنهم. الرئيس هادي يسعى بجدية لتأسيس دولة حديثة؛ يشعر كل يمني بالإنتماء لها، دولة تترجم طموحات وتطلعات كل الأحزاب والقوى والجماعات، ولا يمكن التفريط بكيانها اليمني الواحد، أو التنازل عن جزء بسيط من سيادتها الوطنية.