الكل الآن في اليمن بانتظار ما سيصدر عن مجلس الأمن بخصوص وضع البلاد. بعد رحلة جمال بن عمر الأخيرة لليمن، توجب عليه تقديم تقرير لمجلس الأمن وبناء على ذلك التقرير سيتصرف المجلس. ونذكر هنا أنه كان قد صدر سابقاً بيان من المجلس المذكور يحث صالح على نقل السلطة وتوقيع المبادرة الخليجية. المتوقع الآن هو أن يخرج قرار(وهو أقوى من البيان) يتناول نفس مطالب البيان، حيث أن القرار تترتب عليه خطوات في القانون الدولي يمكن أن تتخذ في حالة عدم استجابة الأطراف المعنية. ولا يتوقع أن تعارض روسيا والصين هكذا قرار كما فعلت مع سوريا. قد تتحفظ إن شاءت إحدى الدولتين أو كلاهما، لكن من غير المرجح أن ترفضا القرار، حيث أن تصريحات روسيا والصين كانت دائماً تحث "أطراف النزاع" على الحوار والعمل بالمبادرة الخليجية.
يبقى من المحتمل أن إصدر القرار المتوقع يؤدي إلى تصعيد من قبل صالح، وذلك ما كان يحاول أن يتحاشاه المجتمع الدولي منذ بداية "الأزمة"، فلم يضغطوا على صالح بتجميد أرصدته أو ببيانات شديدة اللهجة، وحاولوا مجاراته لتمكين حل سلمي لا يسفك المزيد من الدماء اليمنية.
من المعروف لدى الجميع أن شباب الثورة والشعب المتظاهر يرفض المبادرة الخليجية، ويراها كغطاء قانوني للنظام يشجعه على قتل المتظاهرين. المسيرات في مختلف محافظات اليمن تخرج مطالبة بمحاكمة صالح وأعوانه ورفض أي مبادرات تغتصب أهداف الثورة.
هكذا شعارات سمعناها في الآونة الأخيرة حتى من أعضاء المجلس الوطني، رغم أن الكل يعلم ما يجري وراء الكواليس من مفاوضات مع المجتمع الدولي والدول الإقليمية، وأن أعضاء المعارضة (وهي من شكلت المجلس الوطني) قابلة للتفاوض مع صالح من حيث المبدأ بل وقابلة لتنفيذ المبادرة الخليجية لو رضي صالح بها – مع العلم أن المجتمع الدولي غير معترف بالمجلس الوطني ولكن معترف بأحزاب المعارضة كطرف في "الأزمة" وعلى هذا الأساس يتفاوض معها.
يتبين هنا أن هناك خطاب إعلامي يختلف عن ما هو الموقف الفعلي للمعارضة السياسية اليمنية. إعلامياً تدعم أحزاب المعارضة موقف الشباب خاصة من خلال المجلس الوطني، وترفض إعطاء تأمينات لصالح وأعوانه، وفعلياً هي مستمرة في التفاوض من أجل إجبار صالح على توقيع المبادرة الخليجية.
بذلك يصبح من الواضح أن موقف المجلس الوطني إعلامياً هو مجرد إستراتيجية خطابية، وأن سياسية المجلس هي رهن أحزاب المعارضة. بل أن في الفترة الأخيرة بعد عودة صالح من السعودية وضح مدى هشاشة هذا المجلس وعدم فعاليته، حيث أنه مختل الأساس منذ مولده كما علق على ذلك الكثير من المحللين والتكتلات الشبابية. فالمجلس الوطني يبدو أنه ما هو إلا مرادف للمشترك وإن حاول أن يكسب شرعية ثورية بإدخال عناصر مختلفة كالشبابية وغيرها مع المحافظة على هيمنة الأحزاب.
هل الشباب في ظل عن ذلك؟
الشباب يعلم جيداً أنه عندما يخرج ويتظاهر ويصرخ بمطالبه أنها لا تصل إلى آذان المعارضة السياسية. وأن الأحزاب منذ بداية الثورة تتعامل مع شباب الثورة بسلطوية وأبوية، وكأن هؤلاء الشباب يافعون حالمون لا يفقهون شيء في العالم الحقيقي. تقول لهم نعم أنا مع الثورة ثم تستمر في خطها السياسي الذي ينافي مطالب الثورة، بذريعة أن ذلك أفضل للوطن وتجنبه دخول حرب أهلية. مع العلم بذلك، يستمر الشباب في الاعتصام والتظاهر دون إبراز الاختلاف مع أحزاب المعارضة، ويظهرون أنهم يصدقون خطاب المعارضة لهم بولاء الأحزاب للثورة وأهدافها، رغم يقين الشباب بعدم صحة ذلك. فيخرج الشباب يتظاهر ويضحي بدمائه الغالية كي يكون أداة ضغط في يد المعارضة على النظام والمجتمع الدولي.
فمن ناحية الشباب يغض النظر، تاركاً المجال للمشترك أن يعقد صفقته مع صالح كي يخرج صالح وعائلته من الصورة بطريقة سلمية وان كان ذلك يتنافى مع مطالبهم بمحاكمته، عازمين أن يبقوا بعد ذلك في الساحات إلى أن تتحقق باقي أهداف الثورة. وهذا الموقف غير معلن عنه، ويبقى الخطاب المجهر هو المعروف والمنتشر في الساحات ووسائل الإعلام. وبهذا يبدو أن لدى الشباب أيضاً ازدواجية في الخطاب كما رأينا أعلاه مع المجلس الوطني و المعارضة. لكن هكذا حسابات من قبل الشباب قد تكون غير واقعية، حيث أن المبادرة الخليجية تعطي صالح وأعوانه حصانة كاملة، مما يعني أنهم يمكنهم البقاء داخل البلاد وبالتالي إدارة الثورة المضادة من الداخل، أو الأصح طبخ الانتخابات كما هي العادة. ما ينتج عن ذلك ليست ثورة وإنما إعادة ترتيب الأوراق بين أحزاب المعارضة والنظام الحالي حتى وإن ترك صالح وأعوانه البلاد.
من ناحية أخرى واقع الساحات يظهر أن الثورة محتكره من قبل الأحزاب، فشباب الأحزاب هم الأغلبية في الساحات، والأحزاب هي من أعطت زخم للثورة، والأحزاب هي أيضاً من تدعم الساحات إضافة إلى بعض التبرعات الفردية. فكيف للشباب أن ينشق عن موقف الأحزاب وهو لا يمتلك لا قوة تنظيمية ولا مالية ولا شعبية ولا يفاوض من قبل أحد رسمياً. ولا يملك المدرعات لمواجهة الحرس الجمهوري والأمن المركزي بل أنه يهتف بسلمية نضاله ولا يريد أن تسفك الدماء. بالتالي يستسلم الشباب للأمر الواقع:وهو أن الأحزاب السياسية هي من ستحدد نتيجة هذه "الثورة" من خلال مفاوضتها مع النظام والمجتمع الدولي. ويبقى الأمل أنه فيما بعد المبادرة سيتمكن الشباب من الضغط على الوضع لاستكمال ثورة التغيير. ولا أدري لماذا إن رأوا نفسهم ضعاف اليوم وهم في عز الثورة، يظنون أنه سيعزز موقفهم بعد استقرار المفاوضات. فالأمر غير منطقي، حيث أن المؤشرات تدل على العكس تماماً.
كما قد دعوت سابقاً، على الشباب المستقل والمتحزب، المتمدن والذين من القبائل، الزيدي والشافعي، الشمالي والجنوبي، الشرقي والغربي، أن يثور. أن يثور على صالح ونظامه، على تاريخ اليمن المستبد، على الجهل الإجتماعي والإقتصادي والسياسي، على تسييس الدين وجعله أداة قمع، على ثقافة التسلط والترهيب وحل النزاعات بالعنف. الثورة على تلك الأحزاب التي هي ناتج وجزء من ذلك النظام الذي أفسد وأفقر البلد. على الشباب أن يحرروا نفسهم من هوياتهم المناطقية، والإثنية، والحزبية، والعائلية، وأن يفكروا ويعيشوا بمنطق الثورة التي قاموا من أجلها. على الشباب أن يتوحد تحن إسم دولة مدنية، دولة الحقوق والقانون، دولة الديمقراطية والتعددية. على الشباب أن لا يسلموا ثورتهم لسوق المزايدات. ليست القضية صالح هل يحاكم أم لا بقدر ماهية الدولة التي ستنتج من مفاوضات المعارضة.
على الشباب بمختلف تكتلاته أن يشكل اليوم قبل بكرة مؤسسات تمثله هو، ومن خلال هذه المؤسسات يبني الدولة الحديثة ويتحاور مع المجتمع الدولي وأحزاب المعارضة.
طالما فشل الثوار في ذلك فهم يتركون فراغ يتضارب الآخرون للإستولاء عليه. على الشباب الثائر أن يرفع صوته ويمثل نفسه وسيجد الشعب كله بجانبه، فوقتها الجزء المتفرج من الشعب سينزل الساحات ويثور. فما يتردد البعض من ذلك إلا لما طغى على الساحات من أحزاب جعلت الأمر يبدو وكأنه نزاع على السلطة بين صالح والمعارضة وليس ثورة جيل جديدمن أجل دولة حديثة. يجب أن يعود الشباب لمساره الأصلي ويثور على كل وصاية خارجية كانت أم داخلية.
* لميس الشجني كاتبة وإستشارية في مجال التنمية والسلام والمستدامين