أن يصحو المثقف ويمتطي صهوة جواد النقد الحاد للمشاكل التي تؤرق المجتمع فذاك بالأمر الجميل جداً ، لا بل قل ظاهرة صحية بكل المقاييس ، إذ انه بذلك يُكرس دوره كعينٍ ثاقبة تشرح الخفايا السلبية وتنبش المستور والمفضوح لتعطي صورة واقعية عن حالة الثقافة السائدة والممارسات الاجتماعية وهي بالمناسبة الوظيفة الحقيقية للصحافة كسلطة مجتمعية فاعلة ، بيد أن هذه الصحوة جاءت بصورة فجائية مؤخراً والأخطر في ذلك اندفاع بعض حملة الأقلام المشهورين بالتقلب كالحرباء مع الأسف إلى تصدر لائحة النُقاد بتوجيه السهام الماحقة إلى كثير من المُسَلمَات الدينية والعُرفية والاجتماعية التي أصبحت تُنذر بعواقب وخيمة إن لم ننتبه لها.
نعم نقولها صراحةً لقد بات من الضروري للمرء في كثير من الأحيان أن يتابع بعض كُتاب العهر السياسي على أكثر من موقع ليعرف ما يفكرون فيه ، فالحقيقة أن ثمة نفر يحاولون أصلاً من خلال اللعب على حبال الكلام في أن يكتبوا وما يتناسب ومزاج الجهة الممولة التي تغدق عليهم بالأموال المغسولة كما يبدوا ، بعدها يذهبون إلى زواياهم الضيقة المحشورة بهم ويطلقون العنان لأفكارهم وآراءهم الفجة ولا ينسون في ذلك أن يخرجوا من جيوبهم دفاتر صغيرة فيعطون علامات حُسن السلوك أو عدمه للآخرين سواء من الأنصار أو الذين يقفون في جهة مقابلة، وفي ساعات المساء يشعرون بالملل كما يقول الرواة عن هذه الحفنة التي تعاني من توحد قاتل وضائقة نفسية حوّلت أصحابها إلى مرضى يخشون مواجهة الحقيقة أو ناطور البناء وحتى الطبيب أيضاً ، وبعد ذلك يكتشفون أن العالم الحديث صار له أسلوبه الجديد في التخاطب فتراهم يتردّدون في الاقتراب من الآلة الجهنمية التي اسمها الحاسوب لترجمة ما يعانون من أحقاد وضغينة تجاه الآخرين وعلى حساب لحمة التراب الواحد.
وهنا ألا يحق لنا السؤال عن الأساس الأخلاقي لهذا الحشد من المنافقين الذين اجتمعوا في لحظة واحدة بقدرة واحد أحد فتناسوا خلافاتهم وأحقادهم الدفينة ووضعوا جانباً كل كلام السخرية والاستهزاء بعضهم ببعض وقرروا خوض أم المعارك ضد شيطانهم الأكبر في نظرهم القاصر أصلاً ألا وهي (الوحدة اليمنية) كما تُخال لهم عقولهم النتنة، فمن يتأمل خطاب متطرفو الجنوب يجد أن غمرة سعادتهم في إشعال فتيل الطائفية والمناطقية والجهوية كون ذلك سيخلق ظرفاً مناسباً للصراخ علانية بعبارات التكفير والنفاق بغرض التنفيس عن مخزونهم العصبوي بإتهام كل من يختلف معهم في القليل أو الكثير فراحوا يكيلون التُهم لمعظم رجال الإعلام والأغلبية الساحقة من المثقفين وكثير من المسئولين لتطال الأراجيف من يختلف معهم من داخل الخط التقليدي الجنوبي نفسه.
وهنا أيضاً لا بد لنا أن نتساءل لماذا اختار سماسرة إعلام الانفصال خط التناقضات ؟ هل هو الرغبة في الظهور عكس التيار وتسليط الضوء ؟ أم هو فسق ومجون ونعرات مناطقية واسترخاء في أحضان المشاريع الفارسية كما صرح بها علانية المراهق الخرف علي سالم البيض ؟ وفي هذا السياق لا نتكلم عن الصحافة الورقية والالكترونية فحسب بل ومختلف تشربات وسائل الإعلام فمثلاً وأن تتابع اللهجة القروية والبدائية المقيتة والمقززة حد التقيئو التي يتفوه بها السلطان / أحمد عمر بن فريد كما يُحبذ أن يقدم نفسه لدى أصدقاءنا في بيروت وليس آخرها مقابلة برنامج (عين على الثورة) على قناة الحرة فتجد أن أزمة هذا المتطرف تكمن ليس في عزلته ولكن في انحلاله وجبنه ، فهو يريد مكسباً وانتصاراً ناعماً ويريد تغيير الكون بمنديل حريري في زمن يتدجج فيه دعاة الديمقراطية بكل أنواع الأسلحة الفكرية الخلاقة والعقلانية ، فأدمن ثقافة التبرير لكل ما يفقده مكسباً في اليد أو مصلحة مأمولة ليصطفُّ تلقائياً مع جهات معروفة الأجندة ويتحوّل ناطقاً غير رسمي بإسمها والمسافة الفاصلة بين الشعب والسلطة في وعيه مرسومة بحدود المصلحة الخاصة فقط ، ثم أنه من خلال طرحة الهوشلي تكاد تلحظ بأن الرجل في كثير من الأحيان يرسم خط رجعة قبل التفكير في الولوج إلى خط الممانعة والتحدي فهو أسير عالم منفصل عن المجتمع يعيش عزلة نرجسية ويتبّرم من تخلف مجتمعه ولكنه ليس على استعداد للتقدم خطوة باتجاه تغييره أو التعايش مع همومه ليناضل من أجل تغيير وضعه الخاص وليس تغيير المجتمع ، بمعنى أنه يفني طاقته لجهة العثور على موقع وليس صنع واقع ، وقد ينخرط بقصد أو أحياناً ببلاهة في معارك قد يكون محرّضها الإيديولوجي معروف على النقيض من مبادئ وأفكار هو يؤمن بها ، وتجده أحياناً جزءً من فتنة مناطقية لكونها تبطن مكاسب سياسية خاصة غير منظورة.
وبناءً على هكذا تحليل فإنه يفترض على بعض المراهقين القادمين من رحم التعجرف والتصلب عقلنة الموقف والخروج من شرنقة الرؤى الضيقة والانعتاق من تركة الماضي واستعادة الوعي بأزمة العلاقات الدولية واختلال التوازن بين القوى ، فيكفينا مهازل هذا العالم الموبوء بكل أشكال الإجرام والهمجية كون التعامل بالمبادئ والمُثل الكيدية يصبح غباءً محضاً لأن من يصنعون القرار يلجئون إلى منطق القوة وليس إلى قوة المنطق وأن إضبارة حقوق الإنسان والديمقراطية تصبح مجرد أسلحة ابتزاز بيد زعماء عصابات بحجم قوى عظمى لا يعنيهم من قضايا الإنسان إلا ما يعزز الهيمنة والطغيان والغطرسة وبذلك لا يعول عليهم .. فهل وصلت الرسالة ؟؟؟؟
ومضة أخيرة : إلى الأستاذ الفاضل ومهندس الكتابة الوطنية الهادفة ..إلى النور الذي أعاد للصحافة والمهنية رونقها وقداستها مؤخراً .. إلى الرجل الإنسان / منير الماوري .. كلنا أمل بأنك لن تلتفت إلى تخرصات الصبية المراهقون ممن ينصبون أنفسم أوصياء على أبناء المحافظات الجنوبية الشرفاء كون أحرفهم القبيحة التي يكشرون من خلالها عن أنياب مليئة بقلح الإساءة لن تثنينا عن مواصلة النضال من أجل يمن واحد ودفن كل المشاريع التقزمية القادمة من خارج الحدود .