اشتهرت كرة القدم بأنها أداة وحدة وخير وسيلة لتوحيد المجتمعات ذوي القوميات المتعددة وجمع أكبر حشد ممكن في مكان أو ساحة عامة كما ساهمت في تقارب المجتمعات والشعوب المتصارعة أو المتباينة فكريا وعقائديا سياسيا وثقافيا و تطبيع العلاقات بين الدول وتبادل الثقافات والمعارف والخبرات بين الشعوب فإنها الوحيد القادر على جمع كل من فرقتهم السياسة في ساحة واحدة . عولمة الرياضة وفطنة المحافظ ولأننا نعيش في عصر العولمة فقد تم عولمة الرياضة وخاصة كرة القدم من خلال التشفير التلفزيوني للمونديال والنقل الحصري لمباريات كأس العالم وارتفاع ثمن بطاقة الاشتراك الخاصة بالقنوات الناقلة للمونديال العالمي وتفرد شبكة قنوات بي ان سبورتس الرياضية الناقل الحصري لمباريات كأس العالم في منطقة الشرق الأوسط وباللغة العربية كونها الفائز بحقوق النقل التلفزيوني في منطقتنا العربية وعجز المواطن اليمني عن شراء جهاز بي ان سبورتس بمبلغ خمسين ألف ريال تقريبا إضافة على تردي مستوى خدمات الكهرباء وانقطاعها اليومي المتكرر في ظل صيف شديد الحرارة إضافة إلى جود أزمة مشتقات نفطية خانقة في جميع عموم محافظات الجمهورية هذه الارهاصات والمشاكل الاقتصادية قللت من فرص المواطنين اليمنيين في الاستمتاع بمشاهدة مونديال البرازيل , فتفطنت قيادة السلطة المحلية بمحافظة عدن هذه المرة لحاجة الناس وبادرت إلى توفير 31شاشة عملاقة مع 31جهاز بي ان سبوررتس ووضع تلك الشاشات في الساحات العامة حيث التجمعات السكانية الكبيرة, استشعارا منها لمدى اهمية المونديال العالمي لعامة الناس في عدن وهوسهم في متابعة وعشق كرة القدم العالمية خاصة أن المونديال العالمي هو أكبر الأحداث الرياضي العالمية التي لا تتكرر سوى مرة واحدة كل أربع سنوات , وبالتالي لا بد من تهيئة الاجواء وتمكين المواطنين من متابعة هذا الحدث بكل تفاصيله الساخنة والمثيرة وعدم تعكير مزاجهم بالانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي الامر الذي قد يدفعهم لردود افعال غاضبة في حال حرموا من متابعة احداث مباريات مونديال البرازيل .. فبادرت قيادة المحافظة لتوفير الشاشة العملاقة لامتصاص غضب مواطني المدينة وتجنب أي ردود أفعال قد تصدر منهم وهي خطوة طيبة تحسب لها ويجب الاشادة بها. عدن تتنفس كرة القدم تتميز مدينة عدن بعشق أبنائها للرياضة وخاصة كرة القدم ولا تستطيع أي محافظة او مدينة اخرى يمنية أن تزاحمها في هذا العشق الذي يصل حد الهوس والجنون عند أبناء هذه المدينة العريقة .. فأبنائها يتمتعون بثقافة رياضية وكروية منقطعة النظير من أصغر طفل حتى اخر عجوز فلا تستطيع ان تجادلهم او تناقشهم لأنك ستخسر في النهاية , و قد تجد نفسك قزما ام طفل صغير لا يتعدى سن الخامسة عشرة لكنه يحفظ اسماء كل المنتخبات العالمية المشاركة في المونديال والأندية الاوربية التي يلعبون فيها بما في ذلك اسماء لاعبي منتخبي كوريا الجنوبية واليابان التي لا يستطيع المرء نطق اسمائهم وهي مكتوبة أمامه على الورق , لذلك لا تتعجب إذا مررت بإحدى شوارع مدينة صيرة وشاهدت أعلام غريبة فوق سطوح المنازل وفي الشوارع غير الاعلام التي اعتدت مشاهدتها (علم الجنوب سابقا , وعلم الجمهورية اليمنية) فتلك هي اعلام المنتخبات المشاركة في مونديال البرازيل حيث تتسابق الجماهير في رفع علم المنتخب الذي تشجعه وتضعه فوق سطوح المنازل او في الشوارع التي تقطنها ويتم إنزالها وإزالتها مع خروج منتخباتها واحد تلو الأخر حتى أخر يوم من أحداث المونديال . فرقاء السياسة في ساحة العروض ساحة العروض بمحافظة عدن بمكل ما تمثله من رمزية ثورية لأبناء الجنوب بعد احتضانها ل12مليونية تابعة للحراك الجنوبي أضحت اليوم تحتضن أكبر تجمع جماهيري رياضي لمشاهدة مباريات مونديال البرازيلبعدن حيث يحتشد الالاف مساء كل يوم من كل القوى السياسية ومختلف التوجهات الفكرية والرياضية لمشاهدة مباريات مونديال البرازيل فيفترشون رصيف الساحة ويتسمرون امام الشاشة العملاقة بصمت لا يكسره سوى هدف في الشباك أو فرصة خطيرة ظلت طريقها إلى المرمى . طيلة السنوات الماضية اعتادت ساحة العرو على احتضان مسيرات مليونية ذات اللون والاتجاه السياسي الواحد, لكنها اليوم تحتضن ألاف الجماهير من كل الاطياف والتوجهات السياسية , وهو ما لم تستطيع أي قوى أو جهة سياسية في البلد أن تجمع هذه الحشود بهذا التنوع والتباين السياسي مع الحفاظ على حق الاختلاف التباين وتبادل الاراء والنقاشات والتحليلات بطرق حضارية راقية دون أن تؤدي إلى الشجار و التصادم , لكنها كرة القدم لديها القدرة على فعل ما عجزت عنه النخب السياسة في بلادنا المثقلة بخصومات وصراعات الماضي بكل سلبياته , فجمعت الجماهير من كل التوجهات في ساحة العروض التي ظلت رمزا وحكرا على جماهير الحراك فقط دون غيرهم لكنها اليوم جمعت الحراكي والإصلاح والاشتراكي والمؤتمري على رصيفها وأجبرتهم على تأجيل أو نسيان التباينات السياسية من أجل الاستمتاع بكرة القدم , ومن مفارقات كرة القدم هي قدرتها على توحيد بعض فرقاء السياسة لتشجيع منتخب واحد وتفريق بعض حلفاء السياسة في تشجيع منتخبين مختلفين حيث تجد الإصلاح مع الحراكي والمؤتمري يشجعون منتخب واحد مثل تشجيع منتخب ألمانيا مثلا والعكس ,و يظل التباين والاختلاف في تشجيع المنتخبات موجود في كل مباراة حيث تنقسم جماهير الساحة إلى نصفين فكل مشجع له منتخبه المفضل الذي جاء لتشجيعه وحده المنتخب الجزائري ممثل العرب الوحيد في مونديال البرازيل الذي استطاع توحيد جماهير الساحة بتشجيعه في مباراته الأولى امام المنتخب البلجيكي. تسامي الروح الرياضة من قواعد الأساسية في عالم الرياضة بمختلف ألعابها وخاصة كرة القدم هو سيادة الروح الرياضية وتسامي هذه الروح في مختلف المنافسات الرياضية بين اللاعبين في الملعب , و في نهاية المباراة يتصافح لاعبي الفريقين الفائز والخاسر ويتبادلون القمصان الرياضية فيما بينهم للاحتفاظ بها للذكرى مهما كانت نتيجة المباراة للفريقين .. وكذلك تسود الروح الرياضية بين الجماهير في الساحات العامة حيث تشاهد الجماهير القريبة من بعضها تتصافح وتبارك لبعضها البعض بعد انتهاء كل مباراة , ثم تجدهم يتناقشون ويحللون سبب خسارة المنتخب الفلاني للمباراة ونقاط قوة المنتخب الفائز , الامر الذي يجعلك تشعر بأن هذا هو ملعبهم الذي يستطيعون فيه تبادل الآراء ووجهات النظر فيما بينهم بأريحيه فكرة القدم تمنحهم الكثير من الفرجة والمتعة وتمنحهم الكثير من الشعور بالنشوة والفرح ولذلك وجدوا فيها ملاذا لهم للهروب من هموم السياسة بعد ان طحنتهم هموما وصراعاتها المتعددة بين اطراف العمل السياسي المختلفة الأمر الذي أصاب المواطن باليأس والقرف نتيجة شعوره أنه أصبح غير قادر على التأثير على صانعي القرار السياسي في هذا البلد . مصدر للرزق وجد الكثير من الباعة المتجولين في ساحة العروض وغيرها من الساحات التي تتوفر فيه شاشة كبيرة لعرض المونديال سوقا خصبا لكسب الرزق الحلال نظرا لتواجد ألاف الجماهير في الساحة ولساعات طويلة في اليوم ولذلك تجد الباعة يجولون في الساحة ويعرضون بضاعتهم للجماهير ويصرفون كميات كبيرة من بضائعهم المعروضة وخاصة بائعي الماء البارد , والآيسكريم , والمكسرات , واللوز , والمناديل , والصحف الرياضية إلخ..؟ فيصرفون بضائعهم بشكل أكبر من ذهابهم للاسواق الرسمية . صحيفة خليج عدن