في مواجهة آلة الحرب والدمار يقف الفنانون متسلحين بفرشاة الرسم والألوان لرسم مستقبلهم الذي يريدونه فائضا بالحياة كما هو فائض باللون، وفي عتمة الواقع لا يترددون لحظة واحدة في إشعال شموع الأمل، وبتحدٍ وإصرار فريد يزرعون إرادة الحياة في أرض أحرقتها الحرب ولا تزال. "سارة فؤاد" فنانة تشكيلية يمنية من تعز تواجه بندقية الحرب بفرشاة الألوان، فتخلق الحياة على هيئة لوحة من إبداع أناملها، وتثبت أن مبدأ القوة ينكسر أمام روعة الفن، وأن إرادة الموت تتحطم دوما أمام إرادة الحياة، وفي هذا تكمن فلسفتها ونظرتها لما حولها. حضور الدهشة في معرض فني نظمه قسم الفنون الجميلة بجامعة تعز قبل أشهر شاركت "سارة" بالعديد من اللوحات الفنية ضمن 175 لوحة تم عرضها وتنوعت بين الرصاص والألوان المائية والألوان الزيتية والجرافيك.. لكن لوحة "الحمدي" كانت الأكثر حضورا وإدهاشا، لأنها تستدعي شخصية ظلت عالقة في الذاكرة الجمعية لشعب أحب هذا القائد ولا يزال يحن نحو الفترة الذهبية التي صنعها. حين ولدت الفنانة التشكيلية اليمنية "سارة فؤاد" كانت 19 عاما قد مرت على اغتيال الرئيس اليمني إبراهيم الحمدي والذي تم اغتياله في 11 أكتوبر تشرين أول 1977.. لكن ذلك لم يمنع الشابة "سارة" القادمة من ريف بني يوسف، وأبناء جيلها من استلهام سيرة الرئيس الحمدي من ألسنة من عايشوه والذين يثنون عليه وعلى دوره في النهوض بالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي لليمن، على الرغم من صغر فترة حكمه التي امتدت لثلاث سنوات وأربعة أشهر فقط، فكان الحمدي عنوانا للوحة فنية تختصر حكايات أبدية من الشجن والحنين نحو الزمن الجميل. قدرات تقنية اللوحة البوستر عبارة عن رسم حي على المسرح لم تستغرق سارة أكثر من 10 دقائق لرسمها ،مقاسها 70*50 سم مرسومة على خامة من الجلد الصناعي الاسفنجي أسود اللون، وقد استخدمت الفنانة التشكيلية فرشاة الرسم والغراء الشفاف ومادة اللماع الخاص بالرسم فضي اللون. عن سبب اختيارها لشخصية الحمدي، تقول سارة ل"أخبار اليوم": "نحن في اليمن نعيش مرحلة حرب، وبسبب ما آلت إليها الأوضاع حالياً في البلاد تمنيت عودة فترة الرئيس الحمدي الذي عرف بالعدل، وفي فترة حكمه القصيرة لم نسمع عن جشع الحكام وقتلهم لشعوبهم، بل زاد العدل والرخاء الذي تحقق على يديه، ولذا أحبه الشعب بكامل أطيافه وأحزابه". وتتساءل سارة: "أليس حرياً بنا أن نشتاق لمثل تلك الأيام؟". في تكنيك اللوحة استخدمت الفنانة تقنية الرسم بالغراء الشفاف ونثر اللماع على اللوحة لإظهار الشخصية المرسومة، ولم تقم برسم الصورة كبروتريه مكتمل، بل اكتفت بأخذ الخطوط الرئيسية للشخصية والتي تحدد هويتها، واعتمدت فيها على الفرشاة الخاصة بالرسم، ولم تعتمد على أي وسيط آخر لإظهار الصورة كالقوالب الورقية المفرغة "الإكليشات". مما يظهر مدى قدرة الفنانة ومهارتها في التخطيط المباشر للرسمة بالفرشاة بعيدا عن أدوات التخطيط المعروفة كالقلم الرصاص. تعبير مهاراتي الفنان التشكيلي والناقد الفني وحيد مغرم قال إن الفنانة سارة في لوحتها استخدمت اللون الأسود للخامة، ولهذا دلالة خاصة، حيث يشير الأسود إلى الظلمة والحزن وهذا تعبير عن الواقع الذي نعيشه اليوم في اليمن". كما أن استخدامها للمادة اللماعة فضية اللون في إظهار ملامح الحمدي، وفقاً لمغرم، قد أظهرته كملاك متوهج رغم العتمة المحيطة به، وهذه الرمزية في التعبير مستوحاة من سيرة الشهيد الحمدي والتي تناقلتها الأجيال حتى أصبح محبوبا لدى أبناء الشعب بلا منافس. ويضيف مغرم، ل"أخبار اليوم"، أن اكتفاء الفنانة بتقنيتها هذه وعدم اعتمادها على الألوان المعروفة دليل على تمكنها مهارياً في استخدام أي تقنية لإظهار عملها بصورة جميلة وبتكاليف ووقت أقل، وهذا هو الإبداع الفني بحد ذاته". وبالإضافة إلى لوحة "الحمدي" شاركت الفنانة التشكيلية سارة فؤاد في المعرض بثلاث لوحات مرسومة بالألوان الزيتية، وعملين بالقلم الرصاص بالإضافة إلى عمل بالكولاج مصنوع بقصاصات الورق.