حتى هذا الحد، يكاد يخيل للمرء أحياناً أن إسرائيل، هذا الكيان «الصغير الذي لا يتجاوز عدد (مستوطنيه) ثمانية ملايين نسمة» والتوصيف لصحيفة «لوس انجلس تايمز» الأميركية، هي من تدير الإدارات الأميركية المتعاقبة، فكيف إذا عمدت ليل نهار إلى توثيق علاقاتها مع أميركا والترويج لثقافتها العبرية هناك؟. في أحدث مساعيها، بدا وكأن إسرائيل تجتاح منازل الأميركيين انطلاقاً من شاشاتهم الصغيرة، مستعينة بشبكة منتجين تلفزيونيين، لإنتاج مسلسلات عبرية وقد تم تكييفها لتلائم الأميركيين... وهكذا أصبح مسلسل «هاتوفيم» (بالعبرية) او «أسرى الحرب» مسلسلاً أميركياً ناطقاً بالإنكليزية يحمل عنوان «هوملاند» او «الوطن» ولو اغتصاباً لفلسطين. حقق المسلسل التشويقي، في موسمه الأخير في كانون الأول الماضي، نسبة «قياسية» من المشاهدين خلال الفترة النهارية. استساغ الأميركيون الطبق العبري إذاً. وهكذا، بدأت شبكة «ان بي سي» الأميركية بعرض برنامج مسابقات بعنوان «من منكم لا يزال واقفاً؟»، استوردته أيضاً من إسرائيل، وفيه يتم رمي المشارك الخاسر في حفرة في الأرض. في طابور العروض الأميركية، لا تزال هناك نحو ستة برامج استوردت من إسرائيل، تنتظر الانتهاء من إنتاجها، بما يلائم الأميركيين، بينها مسلسل كوميدي حول الطلاق بعنوان «الحياة ليست كل شيء»، الذي سيعرض على قناة «سي بي اس»، ومسلسل موسيقي بعنوان «داني هوليوود»، وسيعرض على قناة «سي دبليو»، ومسلسل إجرامي بعنوان «ركائز الدخان» وسيعرض على قناة «ان بي سي». وأشارت «لوس انجلس تايمز» إلى أن للعديد من الأميركيين اليهود «علاقة سياسية مع إسرائيل»، لكن ما سمته «خط الترفيه» الذي يربط إسرائيل بلوس انجلس، ولو ان المسافة التي تفصلهما تبلغ 9 آلاف ميل، «يعد تطوراً جديداً في عملية النضج التي تشهدها الصناعة التلفزيونية الإسرائيلية»، ما يجعل من إسرائيل «المعروفة بسبب سياستها أرضية خصبة بالنسبة لهوليوود». ونقلت الصحيفة عن صاحب برنامج «هاتوفيم» جدعون راف، الذي كان المنتج التنفيذي ل«هوملاند» قوله إن العلاقة الإسرائيلية الأميركية الجديدة في مجال الإنتاج التلفزيوني «قد تبدو غريبة، ولكن عندما تمعن النظر تكتشف ان هناك أشياء كثيرة مشتركة بيننا، بينها كيفية سرد القصص». الصناعة التلفزيونية الإسرائيلية ليست قديمة العهد، بل تعود للعام 1993 فقط، حسب ما قال نوا ستولمان، الذي شارك في إنتاج «ركائز الدخان». لكن قصة التعاون مع الأميركيين بدأت مع الزيارة التي قامت بها المخرجة والممثلة الإسرائيلية الأميركية نوا تيشبي، قبل سبع سنوات، إلى إسرائيل. آنذاك، «كان الجميع يتحدثون عن مسلسل بعنوان: بي تيبول». فكّرت تيشبي أن المسلسل قد يلائم ذوق السوق الأميركي، فاتصلت بمخرج المسلسل هاغاي ليفي. «لم يصدّق الأخير ان مسلسله قد يباع في بلاد هوليوود». عندما عادت إلى الولاياتالمتحدة، «طرقت (تشيبي) أبواباً عديدة، إلى أن تمكّنت من بيع المسلسل العبري لشركة «اتش بي او» كما قالت. وبعد فترة وجيزة، بدأ منتجون ومجموعة صغيرة من رجال الأعمال بالتعاون مع عملاء في هوليوود لبيع أفكار مسلسلات وبرامج إسرائيلية للاستوديوهات والشبكات التلفزيونية الغربية، وخاصة الأميركية وكذلك البريطانية. من بين هؤلاء، كان المخرج التلفزيوني الإسرائيلي افي ارموزا، الذي بدأ قبل ست سنوات تجميع البرامج الإسرائيلية، ليغزو بها الأسواق العالمية، بدءاً من أوروبا وآسيا وصولاً، مؤخراً، إلى الولاياتالمتحدة.