دعاني رجل دين مسيحي عرف بعمقه، وصدقيته، وعقلانيته لزيارته بعد ما قرأ ما نقلته عن المسؤول، والمستشرق، الروسي حول ذلك الداعية الذي ينطق باسم التلمود، ويخدع الناس بالقول انما هو ينطق باسم القرآن... قال لي أجل، ثمة قراءة تلمودية للقرآن، وربما لكل كتب الفقه. وهذه ذروة الضلال مثلما هي ذروة الفجيعة، حتى لتستغرب كلامي عن اولئك الذين سعوا، وأفلحوا، في اقامة علاقات تلمودية بين السنة والشيعة... وقال ان هناك تقارير وضعتها أجهزة استخبارات اوروبية، فضلاً عن جهات ديبلوماسية، والكثير منها اصبح بين يدي المعنيين في الفاتيكان، حول الأهوال التي تنتظر الشرق الاوسط، فالتعبئة المذهبية، المدججة مالياً، في حدودها القصوى، والانفجار الكبير لم يعد بعيداً. وغداً تسمع الدعوات عبر المآذن. لا مجال للعبة الاقنعة بعد الآن. الالتحام المرتقب بالسلاح الابيض. هنا السلاح الابيض يعني... اسلحة الدمار الشامل! رجل الدين يشير الى ان التقارير تعزو ذلك الانزلاق التراجيدي في الصراع الى الوهن العربي الذي يثير الاستهجان حقاً، فهذه الكمية المترامية من البشر (أكثر من 300 مليون) والتي تمتلك ثروات وموارد خارقة، والتي تمسك بمفاصل جيو- ستراتيجية بالغة الحساسية والتأثير، لا وجود لها في خارطة القوى. الثروات إما انها تضيع في الفساد او انها تتلاشى في الصراعات العبثية او في مستودعات الاسلحة التي كما لو انها اسلحة من خشب. يضحك: ألست معي في ان القاذفات العربية الحديثة جداً، والمتطورة جداً، هي قاذفات من خشب؟ يتحدث عن انهيار في كل شيء. ويكاد يلامس الاستنتاج اللاهوتي ليتساءل ما اذا كان الشيطان قد نجح اخيراً في ازالة كل اثر للرسل والانبياء في المنطقة التي وحدها في الكرة الارضية خصصت لنزول الكتب المقدسة... يستدرك قائلاً «انا لا اضم صوتي الى تلك الاصوات البدائية التي كما لو انها تدعو الى بلورة استراتيجية لمواجهة الشيطان، إما لانها لا تمتلك اي رؤية للحد من التدهور الراهن، حتى على المستوى العقائدي، او لانها تريد المضي في هذا التدهور لتدمير كل اثر للحداثة، او للعلمانية، وصولاً الى التصفية المذهبية الكبرى». يعتبر «ان المشكلة موجودة فينا جميعاً». يتحاشى القول «ان اللعنة موجودة فينا جميعاً». لا يرغب في ان يسترسل في وصف الحالة او في تشخيصها، لكنه يبدي دهشته حيال تلك الاقوال التي تصدر هنا وهناك عن مرجعيات او شبه مرجعيات دينية تلجأ الى تقنيات غيبية لتبرير الجدلية الدموية وهي الوجه الآخر للجدلية العدمية الراهنة... يسأل: هل انتظر اليهود ظهور الماشيح (المخلص) لكي يبنوا قوتهم الضاربة في اصقاع الدنيا، وهل اطفأوا محركات دباباتهم، وحولوا جنرالاتهم اما الى سلاطين او الى عاطلين عن العمل؟ وهل اعتبروا ان التكنولوجيا بدعة وثنية ام ان اول ما فكر به حاييم وايزمان، وحتى قبل ان تنشأ الدولة، انشاء معهد «التخنيون» الذي ينتج، حالياً، معدات تكنولوجية وطبية تضاهي واحياناً تتعدى، نوعياً، المعدات التي تنتجها المصانع الاميركية؟ هذا هو الفارق بين العرب النيام الى الابد، بانتظار الآتي من الغيب، واليهود المتيقظين الى الابد، وبعدما أقفل الحاخام عوفاديا يوسف بوابة الغيب لان الاختبار الكبير، اختبار البقاء كما اختبار الابداع في هذه الدنيا. في هذه الدنيا بالذات... علاقة تلمودية بين السنّة و الشيعة ام صراع تلمودي بين الطائفتين اللتين يجمعهما الجوهر ويفرقهما الشكل، لا بل ان كل المظاهر، والممارسات، والنظريات (المخيفة حقاً) تثبت ان الشكل حل كلياً محل الجوهر، والا لما كان هذا الانهيار، ناصحاً السنّة والشيعة بأن يقرأوا التلمود لعلهم يتعظون، ويدركون ما ينتظرهم... طائفتان هائلتان، وعلى خط التماس، حتى ان رجل الدين المسيحي فوجىء بصديق له رجل دين مسلم بعيد عن ثقافة الصخب (والكراهية) الشائعة حالياً يقول له انه يتمنى «لو ان اسرائيل شنت علينا حرباً نووية». والسبب ان هذا هو السبيل الوحيد لانقاذ المنطقة من براثن الفتنة التي يحذر الجميع منها، فيما هي قائمة فعلاً، وتحت الضؤ، ودون ان يحجبها التضليل الاعلامي الذي يحاول ان يضفي على هذه الفتنة ظلالاً سياسية، فيما تتبارى المرجعيات السياسية والروحية على السواء في التنقيب عن اكثر المناطق سوداوية، وجنوناً، في التاريخ... المشكلة انه لا وجود لطرف ثالث يقيم منطقة عازلة بين الطائفتين. الغرب في ذروة الانتشاء للذي يحصل، واليهود لم يكونوا يحلمون بأن يخلي لهم المسلمون، او العرب اذا شئتم، الساحة لكي يرثوا دون اي عائق الشرق الاوسط... اما عظام العرب، العظام البالية، فقد لا تجد من يواريها الثرى. يفضل افيغدور ليبرمان ان ترمى بعيداً في قاع البحر! * الديار اللبنانية