التقليد والاجتهاد قائم في الأمور الذاتية لا المتعدية، فالأشياء المتعدية لا تخضع أصلا لا للاجتهاد ولا للتقليد، ولكن للتجربة والبرهان كالطب والهندسة وغيرها من العلوم التطبيقية. لذلك أغفلنا زمنا بتحريم الاجتهاد والتحذير منه وتعقيد شروطه جريا وراء إغفال العقل وتغليب التقليد دون نظر أو بحث، رغم قول الشافعي لا يجوز تقليد أحد سوى النبي صلى الله عليه وسلم. الرسول صلى الله عليه وسلم يقول "أستفت قلبك، وإن أفتاك الناس وأفتوك". ويقول أيضا "والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس". ارجعوا إلى أنفسكم وتأملوا بعقولكم وتعرفوا على ما ينفعكم وما يضركم.. فبفطرتك السليمة ونظرتك المجردة تعرف الصواب من الخطأ. ما يطمئن إليه قلبك وترتاح له نفسك ويبعدك عن الريبة والشك بتوجيه من روحك السامية في لحظات صفاء لها، هو الحق والصواب وهو الطريق المستقيم، ولذلك سنت الاستخارة والرجوع إلى النفس وما اطمأنت إليه، بذلك تعرف الحق وإن أفتاك الناس وأفتوك. أما الباطل فيحز في النفس، ولا تطمئن له وتمقته وتمله وتتركه هروبا ومللا، ولا تحب أن يطلع عليه الناس. في هذين الحديثين قاعدتين هامتين في الاجتهاد لتسير حياتك بأسلوبك الفطري وحياتك مع المجتمع والناس. هذه الروح السماوية التي هي من روح الله تسير بنا وفق منهج الله إذا تجردنا لسلامتها وعرفنا أساس ما يطلب منا في أوامره التي تسير في تنمية الروح وغذائها. الاجتهاد يجعل من الشخص يتعامل مع تفاصيل وأسباب ما هو مطلوب منه، فيعمله على أكمل وجه ويجعله إنسانا ايجابيا متفاعل مع مخرجات استنباطاته، فكم من عابد ظالم ومتصدق قاطع رحم.. ليس من الصح أن يقال أن البحث والنظر حرام ولا يجوز ويمنع طلب الدليل والبحث عن اليسير من الدين، مع أن هذا هو المطلوب. لا يطلب منك أن تكون مجتهد مطلق أو حجة للآخرين، لكن المطلوب منك أن تعرف مقصد الأشياء المطلوبة منك حتى تعملها بشعورك وجوارحك وتعرف ماذا تريد.. لا نتعامل مع الناس كأتباع وعوام بل نحرك فيهم ما وهبهم الله من عقل. على المرء أن يقف مع نفسه وقفة تحليلية لمعرفة الصواب من الخطاء، وأن يعيش دور المتفحص والمتأمل والمتدبر للنصوص وللتوجيهات ومحاولة فهم أسبابها ومقصدها.