صنعاء هذه المدينة الضاربة في عمق التاريخ ، الشامخة على قمم الأصالة ، وجهة المبدعين والشعراء، وقبلة المثقفين والأدباء، الوفية لأبنائها، العزيزة على ساكنيها.. وكفاها فخرا أنها حاضرة الثورة وحاضنة الثوار..وبالرغم من هذه القيمة التاريخية والحضارية إلا أنها اليوم تُعذب تحت أكوام من الظلام ؛حتى أمست أحد أبرز المدن المظلمة عالمياً سواء علم القائمون على موسوعة جنس للأرقام القياسية أو لم يعلموا. صنعاء ..بأي ذنب أظلمت وبأي جرم تعذبت، هل لأنها حاضنة الثورة والثوار؟ أم لأنها هتفت لا لصوص الديمقراطية ووحوش الثروة ؟ أم لأنها صاحت غاضبة في وجه الظلم والاستبداد ؟ أم لأنها رفضت مرور مشروع امبراطورية ( الطالح ) الذي بدأ يؤصل له المطبلون ؟ لست أدري ما هي الجريمة التي اقترفتها حتى تعاقب بكل هذا؟. عذرا أيا صنعاء إني أقف متألما كما يقف مثلي الكثيرون وأنا أرى ليلك الذي تحول من لوحة ترسم البسمة إلى كابوس لا يجد منه أبناؤك بدا من الهروب فيتجرعون مرارة معاناة صنعت بأيدي المتآمرين ومدبري الظلمة، في انتظار فجر يبعث فيهم الأمل الذي لا يكاد يكتمل حتى يحل ليل آخر يحمل في طياته معاناة ليست بأقل من سابقتها. عذرا يا صنعاء فالذي يعبث بنورك اليوم هو من تربى في كنفك وتغطرس في شوارعك، ووهبتيه خيراتك فجعل الجزاء بأن بات يسعى ليجعل منك غابة موحشة، ومثله كمثل الشارب من البئر ثم يتبول فيها، يساعده في ذلك أناس باعوا قيمهم بحفنة ريالات، ومبادئهم بوجبة غداء، وأخلاقهم (بتخزينه قات ) بنكهة البلطجة. أيها المخرب مهلاً – دعني أخاطب فيك قلبك إن كان يفقه – ألم يستوقفك وأنت تعتدي على أبراج الكهرباء منظر ذاك العجوز الذي يتخبط في الظلمات أملا في الوصول للمسجد بسلام ؟ ألم تستدعي ضميرك وأنت ترى طلاب الجامعات يقضون الليالي الطوال على ضوء الشموع سعيا في صنع مستقبل أولادك قبل أولادهم؟ أيها المخرب لحظة ألم يرق قلبك لصيحات الأطفال وقت انطفاء الأنوار ؟ وقبل كل هذا ألم تعلم أنه بفضل عملك الوطني الجبار تحولت العاصمة من جنة فارهة إلى جحيم لا يطاق؟. إنه لمن المضحك المبكي أن تستهلك اليمن قطع غيار المولدات المخصصة لعشر سنوات في أقل من ثمانية أشهر في الوقت الذي لا تنعم فيه بعض المدن بالنور سوى ثمان ساعات في اليوم ، والله يكون في عون سميع. إن استمرار الوضع بهذه الوتيرة في مثل هكذا مدينة ينذر بكارثة اقتصادية اجتماعية ضحيتها الأولى المواطن المغلوب على أمره مالم تتخذ حكومة الوفاق التدابير المناسبة لحماية المحطة الغازية أو التفكير في انشاء محطة خاصة بالعاصمة تكون داخل صنعاء .كتدبير مناسب لمشكلة اكتوى بنارها الملايين في انتظار الحل السحري الذي بات في عداد المستحيلات في مخيلة الكثير من المواطنين لإدمانهم العيش في ظلمات الليل الحالكة.