المتابع لمجريات الأمور والأحداث الدراماتيكية التي تجري في الوطن، يصاب بحيرة إن لم يكن عدم الفهم ببواطنها على قاعدة المقولة المشهورة عن بلادنا "إن اليمن حاله استثنائية في كل المجالات والظروف". هذه المقولة التي ربما كانت واحدة من المحفزات التي أذكت روح الثورة الشبابية الشعبية السلمية، وحركت الآسن بفعل تصرفات صالح وعبثيته اللامثيل لها في تاريخ الشعوب.. فالمكر الذي عرف به وجهله وقلة معرفته إلى جانب امتلاكه للسلطة حوله إلى كائن ينتج شراً محضاً، ودون الإسهاب في مخلفات كوارثه نعود لنقول إن هذه من المحفزات التي دفعت أبناء الوطن للمطالبة بالتغيير وإسقاط النظام، وكان لها ما أرادت بحمد الله وتوفيقه. وبعد أن قدم الثوار كوكبة من الشهداء وكتبوا بدمائهم مسار التغيير وسقوا شجرة الحرية دماً زكياً نازفاً، وفي لحظة من لحظات الحسم تدخلت يد القدر بمشيئة علم تقديرها عند الله ليوافق أبناء شعبنا معها على ما أسمي بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية التي وإن أعطت للجلاد أكثر مما هو مستحق للضحية، لكن تغليب الحكمة اليمانية كان عامل ثقل رزحت تحتها المطالب الشعبية متجاوزة آلامها وجراحها من أجل تغليب مصلحة الوطن، ومن منطلق عزة النفس اليمانية الأبية المتسامحة، ليمنح صالح بعدها حصانة لا يستحقها، وفرضت على الشعب اليمني وقلبه يقطر دماً.. في ذات الوقت الذي كان هو وأعوانه يلعقون دماء أبناء الوطن، ويتراقصون على جثامين الشهداء، هذه انعطافة في مسار الثورة كانت بمثابة صدمة، ومعها بدأ منعطف جديد بدأه صالح باستراتيجية تحالفية خماسية قاتلة للحلم والأمل بيمن جديد تمثلت أطرافه بصالح مع أعوانه، والحوثيين وإيران والقاعدة والحراك الانفصالي، تحالف شيطاني لا يمكن بكل المسلمات ووفق أي منطق أن تجتمع أطرافه إلا على قاعدة مصلحتي مع عدو عدوي تكتيك يجب الأخذ به، وليصبح الرئيس هادي والوطن والشعب مع هذا التحالف البائس عدواً مشتركاً لهم. بعد هذه اللمحة للوضع القائم في الوطن عود على بدء على العنوان "هادي بين هم الوطن وعبثية صالح". فهاهو صالح بعد أن اطمئن للحصانة الكارثية التي منحت له ظهر على حقيقته كونه رئيس عصابة همه الرئيس إقلاق السكينة العامة ونشر الفوضى وغرس بذور الفتنة والشقاق بين أبناء الوطن، والعبث بمقدراته وتخربيها ونهبها، وفي أولوية قائمته الرئيس المنتخب عبد ربه منصور هادي، كونه الممثل الشرعي للشرعية الجديدة، وقانون تحركات صالح الإجرامية هذه "أتغدى بعبد ربه قبل أن يتعشى بي"، بينما الرئيس هادي يحمل هم الوطن، وإنجاز متطلبات المرحلة الاستثنائية التي وضعه القدر في مواجهتها، وقد يقول قائل إنه منشغل وغير متنبه لهذه العدائية، والمخططات الإجرامية التي يحوكها صالح ضده وضد الشعب والوطن. بتصورنا أن مثل هذه الرؤية تعتبر قدحاً في ذكاء الرئيس هادي، واستنقاصاً من قدراته، فهادي الذي لازم صالح لأكثر من سبع عشرة عاما، ملاصقاً له ومطلعاً على مكائده ودسائسه وعبثية تصرفاته، قد يكون من أكثر الناس معرفة بمخططاته، وبالتالي فإن المحذور أن ينصرف هادي من هم إنجاز متطلبات المرحلة إلى محاولة اتقاء شر هذه المكائد ومن موقع المدافع لا الهجوم، وهنا تكمن الكارثة التي قد تحيق بالرئيس هادي والوطن والشعب لا سمح الله. الكثير من المراقبين للشأن اليمني يجمعون أن الرئيس هادي له القدرة لكبح جماح صالح وإيقافه مع أعوانه عند حدودهم، لكن وساوس كثيرة تعصف بتفكير الرئيس هادي أفقدته التركيز على اتخاذ قرارات جريئة وحاسمة في حق صالح وأعوانه من أجل خدمة الوطن. هذه الرؤية أيضاً قد تكون سلبية نتائجها على الرئيس هادي أكثر من غيره، بل عليه هو أكثر من خصمه الماكر المخلوع صالح. وآخرون يرون أن تريث هادي مرده إلى معرفته بتهور صالح، ويحاول الرئيس هادي أن يستفيد من تهور صالح لجرجرته إلى مصيره المحتوم ونزع الحصانة عنه، وتقديمه للعدالة من خلال استمراء صالح للجرائم التي يرتكبها وصبر الرئيس هادي عليه، كون هادي يعرف أن تقديم المخلوع صالح للمحاكمة هو المطلب الأهم الذي يمكن أن يرضي به أبناء الشعب، وعلى الجانب الآخر فإن مثل هذا التقدير تنقصه الحكمة، إذ أن صالح بتجاوزاته المتعددة يعيد إنجاز كوارثه وبقايا نظامه الفاسد المنهار من جديد، كونه لا يزال يمتلك مالاً منهوباً أكثر من الدولة، ولديه أيضاً سلاح منهوب ربما يفوق ما لدى الدولة وهو قادر على تخريب الوطن به. أضف إلى ذلك مجاميع المنتفعين من حوله وثقته بالحصانة، وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه لا سمح الله قد تكون المواجهة مع صالح مكلفة على الرئيس هادي والشعب والوطن، ومن هذا المنظور ينطلق صالح في تصرفاته من أن هادي لو تمكن من إنجاز متطلبات المرحلة وتفرغ لهم الوطن، والتف الشعب حوله فسيصعب معه على صالح القضاء على الرئيس هادي بعد ذلك وسترتد مكائده عليه. وهاهو صالح ومعه قيادات من المؤتمر يخدعون الرئيس هادي المرة تلو الأخرى، ولم يستوعب هادي الدرس حتى اللحظة. مقيلهم عند هادي وسمرهمعند صالح!! صالح وقيادات مؤتمرية ما انفكوا يعارضون قرارات الرئيس هادي ومساعيه الهادفة لتجنيب الوطن ويلات الفتن، ويوهمونه في نفس الوقت أنهم معه، ونتيجة لأسلوب شراء الذمم الذي عمد إليه صالح من المال المنهوب من الشعب يقول الكثير من المراقبين إنه استطاع أن يستحوذ على الكثير من القيادات المرتزقة في المؤتمر، وفي الوقت الذي يركن فيه الرئيس هادي لخداع صالح وقيادات المؤتمر التي تظهر له أنها معه وهي تخدعه، خدعته في السابق وهاهي اليوم تخدعه ولازالت فيما تبقى له من المرحلة وقد استطاعوا أن يستنزفوا جهد هادي فيها من خلال استغلال مصداقيته وتسامحه عبر إيهامه بأنهم مختلفون مع المخلوع صالح وهم عكس ذلك، فقيادات المؤتمر هم الذين عارضوا التوافق على الرئيس هادي وعارضوا انتخابه، وعارضوا قراراته ولازالوا يعارضونه حتى اللحظة، ويراهنون على إفشاله وترجيح الكفة لصالحهم، لكنهم في ذات الوقت يوهمونه أنهم معه، وأنهم مع شرعيته، وأنهم مع قيادته، ورهن قراراته وهم خلاف ذلك، ففي نهارهم يتوافدون على الرئيس هادي لإيهامه بانصياعهم له، وفي ليلهم يشربون الأنخاب مع صالح وهم يحوكون للرئيس هادي وللوطن والشعب المكائد. إياك أعني وافهمي يا جارة!! مثال عابر بسيط عند مشاهداتنا لفعاليات استقبال الرئيس هادي للمهنئين له في المناسبات الرسمية، يتضح لكل عاقل أن بعض زبانية صالح يقدم السلام على هادي، وبعدها يجرون أذيالهم ذهابا إلى صالح، وآخرين يقدمون صالح وبعدها يفدون على الرئيس، وهكذا دواليك، ثم إن المبالغ التي يوجه الرئيس بصرفها على أعضاء المؤتمر هي من أموال الشعب والدولة لرأب الصدع في داخل المؤتمر، بينما هؤلاء المرتزقة يرفعون صور المخلوع صالح في مقرات المؤتمر غير آبهين بالرئيس هادي وبشرعيته، وهاهو أحدهم يوفده الرئيس إلى حضرموت بمبلغ مالي كبير للالتقاء بكوادر المؤتمر وليصل إلى هناك ويرفع صور صالح في اللقاء بدلاً من صور الرئيس، وهكذا أصبح الوطن وقيادته الشرعية عند هؤلاء المرتزقة كأنها شركة، لكننا نقول لهؤلاء الزبانية أن يعوا أن اليمن ليست شركة هنت التي خسر فيها الوسيط كل مساعيه؟ إياك نعني وأسمعي يا جارة!! الرئيس وحكومته المشلولة الشارع اليمني وقواه الحية وكافة مكونات ثورته يدركون هذه الحرب الخفية الدائرة بين الرئيس هادي وهمه الوطني، وبين صالح وأعوانه وأعمالهم الشيطانية، لكنهم في موقف حيرة إن لم يكن إحباط من عدم قبول الرئيس هادي لهم بالوقوف معه والاستعانة بالإرادة الشعبية لدعمه ووأد مكائد صالح، فلا الرئيس هادي أوقف صالح عند حده، ولا هو قبل بأن تكون للإرادة الشعبية فعل وموقف لإيقافه ووأده في مهده. هنا يبرز السؤال الذي يقلق الشعب بكافة فئاته ومكوناته: لماذا هذه المواقف السلبية من الرئيس هادي تجاه تصرفات صالح وأعوانه العبثية، التي لا تزال تفتح جراحاً نازفة في جسم الوطن دون وازع من دين أو ضمير، أو رادع من هادي وحكومته المشلولة. ما يريده الشعب من رئيسه غاية خوفنا أن تنتهي هذه المرحلة ولا يزال الرئيس هادي مترددا متفرجاً حائراً ولم يتحقق شيء، وهذا إن استطاع هادي أن يفلت من مكائد المخلوع صالح وتربصه به!! نحن لا نطالب الرئيس هادي بأن يتحول من هم الوطن والحرص على تحقيق مطالب التغيير إلى الانزواء خوفاً على نفسه... بل إن غاية مطلبنا أن يمارس هادي سلطاته واختصاصاته كرئيس دولة بشرعية محلية وإقليمية ودولية غير مسبوقة، وأن يتوج الرئيس هادي هذا الهم بمواقف جسورة وقرارات حاسمة سيكون الشعب حامياً لها ولهادي في آن. فهل آن أوان قرارات ومواقف الرئيس هادي الشجاعة والجسورة!؟ سؤال ننتظر الإجابة عنه بأفعال الرئيس هادي لا بأقواله، لتصدق وتتسق معها الآمال والطموحات والأحلام التي بنيناها باختيار هادي رئيساً شرعياً لهذه المرحلة الاستثنائية، ونجزم أو نأمل أنه لن يخذلنا. لكن ما يجب أن يعيه الرئيس هادي في إطار معتركه لبناء اليمن الجديد حسب شعاره الانتخابي أن صالح وزبانيته وأعوانه في المؤتمر الشعبي العام لم يكن في ذهنهم في يوم من الأيام منذ تولي صالح السلطة فكرة بناء الدولة بالقدر الذي تعاملوا فيه مع الوطن كإقطاعية خاصة، وبالتالي أخفق صالح وحزبه في بناء الدولة التي لم يكونوا يريدون لها أن تكون، وفاقد الشيء لا يعطيه، فكيف يمكن الآن بعد أن تخلص منهم الشعب وسلم زمام قيادته لهادي أن يقترف الرئيس هادي خطأ سياسياً قاتلاً في مداهنته لهم والتسويف في محاسبتهم، وتخليص الوطن من مكائدهم وبراثنهم... ويجب ألا يغيب عن بال الرئيس هادي أن الشعب والتاريخ لن يرحمه، وأن من كانوا أساس المشكلة وأسها لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكونوا جزاء من الحل أو طرفاً يمكن للرئيس هادي المراهنة والاعتماد عليه في نجاح مهمته التاريخية العسيرة. ما لم نفهمه في الرئيس الرئيس هادي المشهود له محلياً وإقليمياً ودولياً بالرزانة والحكمة والتؤدة السياسية لا نظن أن تغيب عن باله هذه المعادلة... لكن المغيب في ذهنية هادي جراء هذا التردد الذي أحبط المواطن وأشعر شباب الوطن بإجهاض ثورتهم يبقى مسألة عصية على الفهم والإدراك، ونأمل أن يلتمس لنا الرئيس هادي العذر لعدم فهمنا، ولعدم اقتناع أبناء الشعب بتردده المحبط للآمال، والقاتل للطموحات والأحلام التي عزف أبناء شعبنا سمفونيتها الحالمة الجميلة بأشلائهم ودمائهم الطاهرة الزكية... ترى هل يحس رئيسنا هادي بمدى خوفنا وجزعنا عليه وعلى الوطن من مكائد صالح وزبانيته، وإحباطنا من عدم جرأته هو وممارسته لاختصاصاته بدلاً من ممارسة صالح لها بالوكالة تحت يافطة "الزعيم" الذي يزعم أن الرئيس هادي لا يزال تابعاً له، وأنه هو رئيس في الحزب!؟ * الخير يبقى ما زرعت بذوره والشر يرحل وهو غث�' طافحُ وسنا الولاية لا يدوم بريقها زمن يدور فقادمٌ أو رائحُ