منذ ما يقارب العام ونصف توقف قلمي عن الكتابة الصحفية؛ لأن الكتابة عندي رسالة ومسؤولية، وليستْ هواية أو وظيفة.. وفي آخر مقالٍ لي بعنوان:"التغيير في اليمن.. ضرورة حتمية تحتاج إلى مقومات تنفيذية"، والذي نُشر في صحيفة إيلاف الغراء، بتاريخ: 6/10/2009م، قلتُ حينها-بالحرف الواحد: "إن التغيير أصبح أمراً مُلحّاً، وحاجةً ماسة، ومطلباً جماهيرياً.. وبالتالي فقد صار لزاماً حصولُه".. قلتُ ذلك وأنا واحدٌ من أفراد هذا الشعب؛ أعيشُ كأحدهم، وأعاني ذات معاناتهم، وأدرك ما يجول في خواطرهم، وتتطلع إليه عقولهم. الآن وفي هذا الظرف الحساس، والمنعطف الخطير الذي يمر به يمننا الحبيب؛ أجدُ من واجبي أن أعرض مجدداً ما أرى-في المرحلة الراهنة-صوابه، واعتقد صحته؛ آملاً وراجياً ألا يُقرأ هذا المقال بعقلية الأحكام المسبقة؛ بل أن يكون هناك مساحة للتأمل؛ لا لأهمية المقال أو صاحبه؛ بل لخطورة ما يتهددُ حاضرنا ومستقبلنا.. وهذا المقال يتكون من ثلاث رسائل: * الرسالة الأولى: موجهة إلى فخامة رئيس الجمهورية الأخ علي عبد الله صالح: يا فخامة الرئيس؛ شعبك يعلم أنّك وصلتَ إلى كرسي الرئاسة دون وساطة من أحد، ودون تزويرٍ أو انقلابٍ أو سفكٍ للدماء.. ولم تكن حينها سوى واحدٍ من أفراد الشعب البسطاء.. لقد أحبّك الناس لذلك؛ لأنهم وجدواْ فيك ما يشبههم. يا فخامة الرئيس؛ الشعب يعلم أنك أتيت إلى السلطة وأوضاع البلاد غير مستقرة؛ فعملتَ جاهداً حتى تحقق الاستقرار؛ والناسُ يقدّرون ذلك. يا فخامة الرئيس؛ كان الناس يحلمون في جنوب الوطن وشماله بلمّ شملهم، وإعادة وحدتهم؛ وكنتَ المساهم الأبرز في تحقيق حلمهم.. ولم ينس ولن ينسى شعبك ذلك. يا فخامة الرئيس؛ شعبك يعلم أنك فتحت آفاقاً واسعة من الحرية لمن يتفق معك أو يختلف.. والناس يقدّرون ذلك منك. ولكن يا فخامة الرئيس؛ شعبك كان ولا يزال وسيبقى يراهن على أنّ بإمكانك أن تعمل الكثير من أجل النهوض بالبلد اقتصادياً، ومعالجة الاختلالات الأمنية التي تؤرق الناس، ومكافحة الفساد المستشري في كل أجهزة الدولة ومرافقها.. نعم! الشعب سأم وجوه المسئولين الذين يراهم منذ عقود وهم يسرقون قوته، وينهبون أحلامه.. سأم غطرستهم وتعاليهم عليه وكأن الله خلقهم سادة والناس دونهم عبيد.. سأم الشعب تقارير المسئولين الكاذبة التي يرفعونها إليك ويقولون فيها: كل شيء تمام يا فندم.. نعم! كل شيء تمام وأكثر من التمام بالنسبة لهم وحدهم؛ أما بالنسبة للناس فالواقع ليس كذلك. يا فخامة الرئيس المحبوب من أغلبية شعبه؛ أكررُ ما قلتُه عام 2009 في المقال السالف الذكر: "أنت وحدك القادر-في هذه المرحلة-على التغيير والإصلاح" والوقت لا ينتظر، والناس تريد تغييراً ملموساً يشعر به الصغير قبل الكبير.. تستطيع أن تكون صوت شعبك، ومحقق أحلامه وتطلعاته؛ فبادر إلى ذلك ولا تلتفتْ إلى أحد؛ فالوطنُ من جهة ورصيدك التاريخي من جهةٍ أخرى أكبر من كل المحيطين بك.
* الرسالة الثانية: أتوجه بها إلى أحزاب اللقاء المشترك: أيها الأعزاء الكرام؛ لا أعتقد أن الوقت ملائمٌ للتفكير في المصالح الذاتية أو الانتقام الشخصي؛ لأن المسألة هنا ليستْ مسألة شخصٍ أو نظامٍ حاكمٍ؛ بل هي مسألة وطنٍ نراه وترونه يتشرذم إلى (يمنات)، ومواطن يقتلُ أخاه المواطن دونما سبب، ومجتمعٍ يتفتتُ تحت عناوين مذهبية ومناطقية وقبلية.. أيها الأخوة؛ لا تقولواْ: إن الرئيس هو سببُ كل ذلك؛ فهذا القول في حقيقته مصادرة للواقع؛ فلا الرئيس أوجد المذاهب في اليمن، ولا هو من شكّل القبيلة، ولم يكن له دورٌ في الصراعات على أسسٍ مناطقية.. بل يمكن القول أن العكس أقربُ إلى الصواب؛ فالرئيس أسهم في احتواء الحالة المذهبية؛ حيث نراه قريباً من زعماء المذاهب الثلاثة في اليمن: الشافعية والزيدية والإسماعيلية؛ بل حتى الإثني عشرية لم يكن بعيداً عنهم أو مناوأً لهم حين جاؤواْ إلى اليمن.. وبالنسبة للقبيلة فقد اقترب من الجميع سواء مشايخ حاشد أو بكيل أو مذحج أو غيرها.. وفي المسألة المناطقية فالفضل الأكبر يعود إليه في إعادة تحقيق الوحدة المباركة.. أيها الأصدقاء؛ يؤسفني أن أقول أن الشعب مطالبه غير مطالبكم؛ الشعب مطالبه معيشية وأمنية وخدمية و...الخ، بينما مطالبكم سياسية بحته؛ الأمر واضح.. ففي لقائي مع اثنين من قادة المشترك يوم الثلاثاء الموافق:18/1/2011، في مؤسسة العفيف الثقافية، سألتهما: هل تقبلون في اللقاء المشترك أن يبقى الرئيس علي عبد الله صالح رئيساً للبلاد مدى الحياة مقابل أن يتم تحقيق كل المطالب التي يريدها المواطن في الشارع.. أجابا بشكلٍ قاطع: لا وألف لا!.. وقلتُ لهما في حينه: هذا يعني أن ما يهمكم هو أن تصبحواْ في السلطة بدلاً عن الرئيس وحزبه، أمّا الشعب ومطالبه فهي آخر ما يعنيكم..!! وأظن أن الأمر كان محرجاً لهم؛ لأن السؤال فاجأهم فكان جوابهم على النحو الذي صدم الحاضرين في القاعة.. إذاً أيها الأخوة فكما أن الرئيس بشر وعليه المراجعة والتغيير الشامل والعاجل، كذلك أنتم بشر وعليكم إعادة الحساب والتفكير فيما يهم الشعب.
* الرسالة الأخيرة: إلى المتظاهرين المطالبين بالتغيير: أيها الأخوة والزملاء في المواطنة؛ من الواضح أنكم لا تثقون في أحزاب المعارضة؛ لأنكم تنظرون إليها كجزءٍ من الواقع الذي تطالبون بتغييره، وهذا الموقف يشهد لكم بالوعي السياسي المتقدم، ويجعلكم في موقف المبادر الذي يستحق الاحترام حتى من رئيس الجمهورية نفسه.. طبعاً مع ملاحظة أنه من غير المقبول عندكم ولا عند غيركم أن يتخلل مظاهراتكم من يقوم بالحرق أو النهب أو القتل..
أصدقائي؛ إذا قرأنا التاريخ بتأمل فسنجد أن الثورات-غير الناضجة-غالبيتها سُرقتْ من أهلها الحقيقيين، وعليكم أن تعواْ ذلك؛ وبالذات في اليمن؛ فهناك جهات كثيرة تنتظر أن تقومواْ-نيابةً عنها-بتحقيق مآربها في الوصول إلى السلطة؛ ولذلك ترونها تنأى بنفسها عن الدخول علانية في هذا المعترك، متربصة مجيء الفرصة كي تقتنصها وترمي بكم بعيداً عمّا تريدون؛ بل قد تصبحواْ خونة في نظر السلطة الجديدة إن أنتم رفضتم أو عارضتم؛ فكونواْ على حذرٍ شديد.. الأعزاء الكرام؛ أعلمُ يقيناً أن الكثير منكم خرجَ لأسبابٍ شخصية؛ فهذا لم يجد عملاً، وذاك أُخذ ماله بقوة السلاح، وآخر اعتدي عليه ولم يتم إنصافه وهكذا... وهنا أقول: إن هذه المظالم-رغم مرارتها-لا تعالج بهذه الطريقة التي اخترتموها؛ لأنني وأنا واحدٌ من المظلومين مثلكم لم أفعل ما تفعلون؛ فأنا غير موظف رغم كوني متخرج من الجامعة وأتحدث أكثر من لغة أجنبية، كما أن أرضية والدي وأرضيتي في العاصمة صنعاء منهوبة من قبل ضباط في القوات الجوية مدعومين من قبل أحد أقارب فخامة الأخ الرئيس.. وما يدعوني إلى التزام طريقٍ غير طريقكم هو الأمل في أن تصل مظالمنا ومظالمكم إلى الرئيس علي عبد الله صالح، وحينها كونواْ على ثقةٍ بأنها ستجد طريقها للحل العادل والعاجل إنشاء الله.. أيها الأحباب؛ لقد أوصلتم الرسالة بأمانة إلى فخامة رئيس البلاد، والتي مفادها: "أن التقارير التي تُرفع إليك عبر المسئولين الفاسدين لا تعكس الواقع".. ولا شك أن الرئيس سمع رسالتكم وفهمها على النحو الذي يجب، وأعتقد أنه يشكركم عليها؛ لأنكم أسهمتم في تعريفه بواقع الحال؛ فاستبشرواْ فإن عهد التغيير والإصلاح قادم. أختم بالقول: إن هذه اللحظات التاريخية تتطلب منا الوقوف بصدقٍ وإخلاص إلى جانب الوطن واستقراره، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال جلوس جميع الأطراف إلى طاولة الحوار الوطني، دونما تأخيرٍ أو اشتراطاتٍ مسبقة.. فكونواْ يا أهل اليمن كما وُصِفتُم: أهل الحكمة والإيمان.