لقد أحدث خطاب السيد البيض الذي ألقاه يوم 21/ 5/ 2009 ومقابلته بعد ذلك مع الحرة صدمة كبرى وخيبة أمل بالغة لدى كثيرين ...غير أن خيبة أمل كاتب هذه السطور قد لا تقارن !.. فلقد تساءلت في مقالة نشرت في نيوز يمن في 17/5/2009 أوبالأحرى تمنيت في قرارة نفسي أن يتصالح الرجل مع تاريخه "النضالي" الذي تمخض عنه مشاركته في تحقيق الوحدة اليمنية يوم 22/ مايو/1990...فقلت أنه وخلافا لما يطرحه المهندس العطاس في تسفيه قرار الوحدة العظيم والدعوة إلى الإنفصال فإن بإمكان البيض أن يتصالح ويتوافق مع تاريخه النضالي الذي قاد إلى وحدة 22/مايو/ 1990 ويعلن من جديد أن الوحدة هي إنجاز وصناعة تاريخ مجيد لا يتبرأ منه وإنما يعتز به أيما إعتزاز وإن إعلان الإنفصال يوم 21/مايو/1994 هو خطأ من جملة أخطاء كبيرة حصلت في اليمن على مدى تاريخه الحديث ولن يعدم البيض مبررات ذلك الخطأ وسيتفهم ذلك كل الناس.(!).وبالمقابل بإمكانه أن يساعد في تبني معالجات موضوعية للمشكلات الماثلة تحت مظلة اليمن الواحد الموحد ولا بد أن ذلك سيكون محل ترحيب الجميع... كنت أقدر أن صمت الرجل طوال مدة خمسة عشرعاما ينطوي على شعور بالحسرة والندم على الخطأ التاريخي الذي ارتبكه بإعلانه الإنفصال في 1994 ... وكنت أرى أن دوره في تحقيق الوحدة اليمنية يحتم إستحقاق الصفح والتجاوز عن كارثة وجريمة إعلانه الإنفصال! ولعل كثيرين كانوا يبحثون عن عذر للرجل معللين ذلك بأن جملة من الإرباكات قد تكون السبب الذي دفعته إلى خيار الإنفصال وإن كان ذلك لا يليق على أية حال بتاريخ "ثائر" و"مناضل" عاقل ظن كثيرون أنه قد تشرب من مدرسة ماو تسي تونغ موحد الصين أو تشي جيفارا المناضل العالمي عابرالحدود والأمم بما يحول بينه وبين أن يكون فئويا أو جهويا فما بالنا أن يكون إنفصاليا مع سبق الإصرار والترصد والديمومة والإصرار والإستمرار... ولعل الكثير مما نسب إليه مؤخرا (قبل 21/ 5/2009 ) ونشر في صحف ومواقع إلكترونية ومن ذلك الحديث المتضمن تحذيرا من الكراهية الذي نشر في موقع نيوز يمن وتمت الإشارة إليه في المقال السابق المشار إليه آنفا هو مما عزز الأمل في أن الرجل لا بد سيتحدث حديث المناضلين الكبار وسيتبنى معالجات وطنية موضوعية لكل الإختلالات ولكن ليس من بين المعالجات فكرة الإنفصال أبدا " او ما أسماه فك الإرتباط" وأنه سيكون أبعد ما يكون عن الطيش وأوهام إمكانية الإنفصال التي تعشعش في عقول قصيري النظر ... وكنا نظن أنه سيتعظ من فشل الإنفصال في 1994 الذي كان مسنودا بقوة عسكرية كبيرة ودعم إقليمي واسع ...لكنه خيب الأمل بصفة نهائية ! وحاد للمرة الثانية عن أهداف ومضامين الثورة اليمنية التي جعلت منه زعيما يوما وتنكر لنضالات وإرث الثوار الوحدويين العظام جميعهم بل إنه اعتذرعن دوره في تحيق الوحدة اليمنية التي اكسبته إحتراما كبيرا داخل اليمن وخارجه لبعض الوقت وتبرأ حتى من إنتمائه إلى الحزب الإشتراكي اليمني الذي كان أمينه العام ربما بسبب اشتمال إسم الحزب على كلمة "اليمني"... لقد تبين الآن إن السيد البيض مجرد راكب موجات ليس أكثر ...وهو يركب الآن موجة "الحراك"... وحين كانت الموجة ثورة يمنية ركبها ...وعندما كانت الوحدة اليمنية ملاذا من الغرق في عام 1990 إتجه اليها وحين أحاطت المحن بشعب اليمن إثر غزو الكويت كان هو - أي البيض - محنة أخرى ، وتوهم بأن خصومة أطراف إقليمية مع اليمن قادرة على إجهاض الوحدة اليمنية وتحقيق الإنفصال فتوجه نحو الإنفصال ورتب له وأعلنه في عام 1994 . ومع أنه في تقديري مقدرلأي محاولات إنفصال بالفشل بعد أن توحدت اليمن سياسيا في عام 1990 حيث أن التوحد هو الأصل وهو الأمرالطبيعي في حالة اليمن ، الا أن تلك المحاولة التي قام بها البيض قد كلفت اليمن الشي الكثير من المقدرات والتطلعات والأحلام ... وفي حين كنت ممن يرى أهمية الصفح عن البيض جراء الإنفصال غير أنه لا بد من التأكيد دائما على إن الإنفصال جريمة تاريخية كبرى ...ولم تكن فكرة الإنفصال واردة يوما نتيجة لأي أخطاء أو مظالم أوخلافات أوجرائم أو مواجهات حصلت في دولتي اليمن الحديثة من قبل سواء في الجنوب أوالشمال وما أكثرالأحداث التي مرت بها اليمن ، مثل أحداث أغسطس 1968 في الشمال أو 13يناير 1986 في الجنوب... ومعروف إن الدولة تكونت في الشمال من مناطق وقبائل ومذاهب متعددة يمتد بعضها في كل الجنوب ولم تكن المصالح الآنية والحقوق والأدوار محل إتفاق ورضى دائما من قبل جميع الأطراف في الشمال حتى هذه اللحظة.. بل إن هناك تذمرا مستمرا حول قضايا الشراكة في السلطة والثروة والمكانة والنفوذ في مناطق الشمال نفسها ومنها المنطقة التي أنتمي إليها وغيرها... ولست أظن أن الوضع في الجنوب كان خاليا من قضايا الشكوى والتظلمات على أساس جهوي بل إن الظلم والإستبعاد وما هو أقسى من ذلك كان من نصيب كثيرين بمافي ذلك الأقربين في إطار العشيرة الواحدة والقرية الواحدة ... ومع ذلك فقد ظل الحزب الإشتراكي اليمني يفاخر بتوحيد مناطق الجنوب (مع أن السلاطين والأمراء والشيوخ يقولون أنهم سبقوا الحزب في توحيد الجنوب) ولم تفكر أي منطقة في الإنفصال بعد أن تم توحدها مهما كانت طبيعة الإحتجاج ومهما كان نوع ودرجة المظالم ... كما ظل الحزب الإشتراكي اليمني يضع وحدة اليمن في رأس قائمة أولوياته ويشكرعلى ذلك الحزب وقادته الوطنيون الذين يستحقون التخليد و كنا نتمنى أن يظل البيض واحدا منهم... بل إنه كان يمكن أن يكون أكثرهم أهمية من حيث المكانة التاريخية بسبب دوره في الوحدة لو لم يقترف كارثة الإنفصال عام 1994 ويعتذر مؤخرا عن مشاركته في تحقيق الوحدة ثم يركب موجة "الحراك" وينتهي به الأمر إلى المطالبة بالإنفصال مجددا.... بعد صمت الرجل الطويل كنت ممن يظن أنه قد صار أكثر حكمة وتعقلا وإشفاقا على اليمن من المزيد من القلاقل والمحن وقدرت أنه لا بد سيخرج من صمته لكن لا ليعيدها جذعة كما يقال بل ليساهم في تبني معالجات وحلول مسؤولة وسليمة وموضوعية تساعد اليمن الموحد على التغلب على مشاكله الكثيرة...التي يكمن جذور العديد منها فيما هو متراكم وموروث من التخلف السياسي والإجتماعي والإقتصادي ويفاقم ذلك سوء الإدارة والفساد والأنانية وقصر النظر ... موقف السيد البيض الجديد وركوبه موجة الحراك سيزيد متاعب اليمن ومشاكلها كثيرا وربما أن هذا هو الهدف من دوره الجديد... لكنني أستطيع أن أراهنه أنه سيكتشف من جديد أنه في حالة أن يكون الإنفصال هو الهدف الحقيقي فإن الفشل سيكون من نصيبة تماما ليس ذلك فحسب وإنما سيكون من نصيبه أيضا لعنة التاريخ كما قال سامي كليب... ربما أن البيض يجيد صنع المشاكل بالفعل مثلما قال الأستاذ سالم صالح محمد مؤخرا...الأمر لله!... ما كان أغنانا وأغناه عن المشاكل التي سيضيفها البيض لليمن بعد أن بلغ من العمر عتيا ومن الإنعزال والصمت سنين طوال !