يوم الثلاثاء 26/11/ 2013م, أي قبل تفجير مستشفى مجمع الدفاع بتسعة أيام فقط كتبت مقالاً بغاية الأهمية عنوانه " السيناريو المحتمل لإسقاط الرئيس" لكنه للأسف لم ينل الاهتمام اللازم حيث أحجمت الكثير من المواقع عن نشره - ما عدا موقع التغيير نت - لما قد يعتبره البعض شطحات مهلوس أو هواجس تضرب المولعي بعد قرن سوطي أو ربطة بلوط!! وأرجو من جمهوري العزيز الذي يتابع مقالاتي البحث عن ذلك المقال لأن ثمة نبوءة فيه وتحذير لفخامة الرئيس لم يُؤخذ على محمل الجد حتى وقعت الكارثة.
في غزوة العرضي لن نختلف بأن المجموعة المسلحة قد حصلت على معلومات حيوية حول تواجد شخص مهم في المجمع, وسأطلق عليه الشخص رقم واحد, وبالتالي حددوا موقعه والساعة التي يتواجد فيها من خلال رسم خريطة تفصيلية للموقع مستعينين بالله وكذلك بالقوقل إرث حتى تمكنوا من التعرف على المكان جيدًا وكأنهم العمال الذين شيدوه, لذا كان المهاجمون يعلمون تمامًا أين تقف أقدامهم؟ وأين يضعون خطواتهم التالية؟ وإلى أين يتجهون؟ من المؤكد أنهم وبالرصد الميداني قد عرفوا عن كثب طبيعة الروتين اليومي للبوابة, وبالتالي اكتشفوا الثغرات الأمنية القاتلة التي إعتاد عليها خدمات البوابة, والكتيبة المكلفة بحماية المجمع, وحتى كبار جنرالات الجيش فتسلل الموت منها إليهم. لم تعتمد المجموعة المسلحة على المدعو تي إن تي فقط كما هي العادة, لكنها تبنت هجومًا ثلاثي الأبعاد بحيث يكون كل هجوم امتداداً للآخر ومكملاً له. فالبُعد الأول يقتضي الاقتراب من المستشفى قدر الإمكان وتفجير السيارة لتنجح الخطة بنسبة 50%, أما إذا لم يتم التخلص من الشخص رقم واحد بالتفجير فيأتي دور البعد الثاني من خلال قيام الخلية الأولى باقتحام المشفى بعد التفجير مباشرة لتمشيطه بالكامل, وقتل كل ما يتحرك أمامهم مع تركيز البحث عن الشخص رقم واحد, أما إذا فشلت عمليتي التفجير والتمشيط من التخلص من الشخص رقم واحد فلابد أن محاولة إنقاذه وأخلاء المبنى ستتم, وفي ذلك الحين تقوم الخلية الثانية المتمترسة بالطابق الثاني فوق البوابة الشرقية بتنفيذ البُعد الثالث من الخطة من خلال عملية قنص لكل من سيخرج حيًا من بوابة المستشفى الرئيسية, وبالتالي سيكون الشخص رقم واحد تحت خط النار وصواريخ لو وهي آخر محاولة لاغتياله. يجب علينا التوقف أمام عدة نقاط ميزت المجموعة المسلحة وهي كالتالي: 1 – ثقافة الانتحار وصناعة الموت 2 – قتل أكبر عدد ممكن من الناس 3 – القتل المجان وبدم بارد 4 – التجرد من كل ما هو إنساني وأخلاقي 5– التكتيك والحس الأمني 6– استخدام التقنية الحديثة في الحصول على المعلومة والتواصل والتخطيط والتنفيذ 7– تركيز الهجوم فقط على المستشفى رغم وجود ثلاثة أهداف حساسة وهي وزارة الدفاع, موظفي المجمع, وكذلك كتيبة الحماية. مع الأخذ بعين الاعتبار بأن الهدف لم يكن قتل الأجانب لأنه من السهل قتلهم خارج حدود منطقة عسكرية محصنة دون الحاجة للمخاطرة بالانغماس والغرق فيها. يبقى أمامنا احتمال أولي يقول بأن العملية حدث فيها سوء توقيت وفارق زمني بسيط جعلت الشخص رقم واحد بعيدًا عن تلك المحرقة, واحتمال آخر يفترض لو أن فخامة الرئيس هو الشخص رقم واحد المفقود الذي تبحث عنه المجموعة المسلحة, فمن الذي جعل الرئيس لا يذهب إلى فحصه الأسبوعي ذلك الخميس؟ ومن استدرج المجموعة المسلحة إلى المكان الخطأ, للهدف الخطأ, في الوقت الخطأ؟ وما الرسالة من ذلك؟ لا أخفيكم بأني عندما سمعت أمر الهجوم على وزارة الدفاع أصابني إحباط وطني, وشلل معنوي لولا أن تخلل تلك الفاجعة شجاعة الرئيس, وموقفه البطولي, وقراره الجسور ليثبت للجميع وخصوصًا لمن يعبثون بأمن هذا الوطن بأنه رجل الدولة الأول, والمسئول عن حمايتها, وأنه بقدر ما يحملون له من شر فسيهزمهم بشجاعته وتصميمه على الخروج بالوطن من عنق الزجاجة, والرسائل الصريحة التي يمكنني قراءتها من زيارته الفريدة للمجمع أثناء الهجوم هو ما يلي: 1 – رد اعتبار الدولة, والمؤسسة العسكرية, وعملية التغيير من كلما لحق بهم وبالوطن من غدر وكيد ومكر. 2 – ليعلم من خطط لهذا العمل الشنيع بأن الرئيس أقوى منهم جميعًا لأن خلفه إرادة شعب لن تقهر بإذن الله, بل وتجاوز حدود الشجاعة بالحضور إلى ميدان المعركة ليدير العمليات, ويجتمع بالقادة العسكريين, ويحمي النظام, وليتعلم الجميع من رجل دولة فريد وقائد عسكري من الطراز الأول. 3 – لكي يمنع انهزام المرجفون في دولته ممن يضعون قدمًا في المستقبل وأخرى في الماضي وليصد ما يُمكنني تسميته انهياراً لدولته أو محاولة الانقلاب عليه. 4 – ليعزز من معنويات القوات التي دافعت عن المجمع ببسالة وفداء, وليعرفوا بأنه ليس أغلى منهم, بل هو إبن هذه المؤسسة العسكرية المنيعة, وأنه من يقود مسيرتها النضالية, وأنه من يتزعم المرحلة, وأنه على رأس القافلة. 5 – ليقول لمن يعبثون بأمن الوطن, ويودون عودة العجلة للوراء, ألا يكفي كل هذا العبث, والتخريب, وتدمير الجيش والوطن, وتبديد ثروات الشعب؟ أما آن الأوان للتوقف عن هذه الفوضى, والمهزلة, والمراهقة السياسية؟ لقد أحتلني ألمًا ثقيلاً وحزنًا عميقًا وأنا أشاهد هول الصور الحصرية التي بثتها قناة اليمن لما حصل في المجمع, وتفطر قلبي كمدًا وحسرة لتقرير الأستاذ/ خالد عليان عن عصابة الموت التي خلعت عنها معاني الرحمة والإنسانية والأخلاق والدين. إن الحيوانات المفترسة لا تقتل كل هذا العدد مرة واحدة فهي تجتمع لتقتل فريسة واحدة, أما أن تحدث تلك المجزرة بذلك العدد الهائل فلا يرتكبها إلا وحش لا يملك ولا ذرة من الحيوانية. فعلاً لقد أدركت حجم الخطر الذي يسكننا, والعدو الذي يعيش بيننا, والإجرام الذي يتربص بنا, أناس وجوههم تشبهنا لكنهم يبيعوننا الموت ببرودة تامة. في أي عالم يعيشون؟ أين اختفت عقولهم؟ أي ديانة تبيح لهم كل هذه القسوة والقتل والإجرام والترويع؟ أيها الجبناء من أباح لكم قتل المرأة, والمريض, والكبير, والمسالم, والمعاهد, والأعزل, والجريح, والأسير, والمستغيث بكم, وهو محرم قتلهم في كل الأديان السماوية والأعراف الإنسانية والقوانين الوضعية؟ لما رأيت الضحايا أمام آلة الموت التي تمشي على قدمين تحصد أرواح الأبرياء تذكرت صرخة إبن آدم المظلوم الأول: "لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين * إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين فطوعت له نفسه قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين " 28/ 29المائدة. نحن كشعب يمني بأكمله نعتبر أنفسنا من هذه اللحظة أولياء دم لكل الضحايا الذين قُتلوا بدون ذنب سواء كانوا من أتباع محمد أو المسيح أو بوذا, لذا يهمنا إظهار حقيقة ما حدث, وشرح تفاصيل الجريمة, ومن الأفراد والأطراف الذين ساهموا في صناعة ذلك الحزن الدامي الأليم وكشفهم للرأي العام. ختامًا أقول بأن هذه المجموعة ليست , حصريًا, هي المشكلة فماهي إلا أداة تنفيذ, ولاشك بأن هناك مستفيدين مما حدث, وهناك فكر منحرف يجب أن يستقيم, ومازلنا بانتظار التحقيق ليكشف خيوط الجريمة الكاملة. المقال السابق