مع التسليم بكل أخطاء الحكم الحالي، وبعضها فادح وكارثي بحق، إلا أن قيام معارضات غير سياسية, تنزع إلى الاستثمار في غريزة الفوضى والعنف المسلح أمر غير مقبول البتة, ولا يسهم في إصلاح السياسات وتصويب الأخطاء بقدر ما يزيد من متاعب البلاد ومآسيها المتسلسلة منذ عقود. أليس ضرباً من الجنون والعبث أن تطحن أزمات الوقود والطاقة والأمن فئات الشعب ويضيف المتشاكسون إلى هذه التحديات حروباً صغيرة متنقلة تطيح بأي إمكانية لإحلال الاستقرار والسلام في وطن اعتقد مواطنوه أنه قد آن لهم العيش بسلام والحلم بمستوى معقول من الرفاه يتناسب مع موارد بلادهم إضافة إلى قدراتهم وكفاحهم الخلاق لتحسين مستقبلهم. وأكثر من ذلك العبث أن تعتلي موجة الغضب الشعبي حفنة من المتهالكين على حكم أطيح ليسرقوا بطولة العائدين المخلصين وهم من قادوا المشهد الوطني بمجمل جزئياته وعناوينه إلى هذه الهاوية التي يجهد اليمنيون الآن كي لا يرتطموا بها. على أن الموقف هنا مع حق كل المواطنين في الاحتجاج والاعتراض على سياسات الحكومة والحكم بالوسائل السلمية كافة والدفاع عن هذا الحق, لكن أن تأتي المعارضة محمولة بأدوات عنيفة أو لتحقيق مطامح شخصية انتقامية بأساليب فوضوية فذلك سلوك تدميري يليق بالمقامرين وأمراء الحروب والسير فيه مغامرة مسدودة الأفق. صحيح أن ثمة خيبة أمل تكبر يوماً إثر آخر في نفوس كل من اعتقدوا في 2011 أنهم على وشك معانقة التغيير وإذا بهم الآن يجدون تلك الأشواق التي غاصت ثورة فبراير السلمية ركاماً من الأحلام المثالية نتيجة تعقيدات موضوعية شديدة التعقيد وسوء أداء في إدارة المسؤوليات التنفيذية المتصلة بالشأن اليومي العام، فضلاً عن الإعاقات الثأرية المناوئة للعهد الجديد. غير أن الانطلاق من خارج المجال السياسي المشروع بدعوى إنقاذ الجماهير المحبطة جراء إخفاقات ما بعد ثورة فبراير هو أشد سوءاً من الإخفاقات تلك بما يشتمل عليه من تكريس للوسائل العنيفة وخرق لقواعد العملية السياسية. التعديل الحكومي هو قرار جيد قد يسهم في تحسين الأداء التنفيذي لكنه لا يحقق التغيير الذي ينبغي أن ينطلق من استراتيجية محكمة تتولى إنفاذها مؤسسات تعكس التنوع الوطني ويتجسد فيها مبدأ الشراكة السياسية. أما إذا ظلت وقائع الالتفاف على الشراكة السياسية تتوالى تباعاً ومواجهة التحديات المصيرية بقرارات مزاجية فهذا ينذر بأن مؤسسات التغيير وآلياته فقدت وظيفتها قبل أن ترى النور.