فوز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأميركية هو أحد أعراض الحدث الأساس الكامن في أزمة الرأسمالية التي برزت في صورة تناقض صارخ مع ذاتها وإن بدا هذا الفوز من الصخب المصاحب له أنه الحدث المركزي بذاته. ومع تشابه فوز ترامب برئاسة الولاياتالمتحدة مع حالات صعود اليمين المتطرف في أوروبا غير أن صعوده استند بدرجة أساس إلى وعوده الانتخابية بشأن القضايا الاقتصادية, ومن جهة أخرى هو ليس ذلك اليميني المنهجي كخيرت فيلدرز في هولندا أو جان لوبان في فرنسا مثلاً حتى مع تبنيه لخطاب اليمين الأميركي, إذ يبقى مثالاً لليميني الفوضوي الذي يتخطى تطرف اليمينيين المنتظمين بخطاباته ووعوده إلا أنه لم يعرف بالانضباط للخط اليميني. ظلت الحرية شارة الرأسمالية السحرية التي تبشر بها شعوب الأرض للانضواء تحت رايتها إبان الحرب الباردة وإلى اليوم، لكن في التاريخ الممتد من صعود المكارثية حتى تسويغ عمليات التنصت وإنشاء السجون السرية عبر أوروبا لمصلحة المخابرات المركزية الأميركية بعد هجمات 11 سبتمبر2001 تجلى تناقض الرأسمالية مع نفسها وانقلابها الحاد على ما بشرت به من نعيم الحرية. ولأن دعوى الحرية كانت دعاية زائفة في طليعة دغدغات الرأسمالية، لم يكن غريباً عليها انتهاك الحريات بتلك البشاعة التي بدت في ممارسات المكارثية وسقوط مئات الألوف من الضحايا جراء التدخلات العسكرية الأميركية العدائية في بلدان عدة ودعم الأنظمة الدكتاتورية من آسيا إلى أميركا اللاتينية، أما حرية السوق فظلت إنجيل الرأسمالية غير القابل للتحريف حتى كشفت الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة أن أزمة الرأسمالية لن تتوقف عند قدس أقداسها. وتبوأت حرية التجارة وتحريرها من القيود صلب الاتفاقات الأميركية مع الحكومات الأخرى منذ خرجت الرأسمالية منتصرة من الحرب الباردة وأعلنت قيام نظام عالمي جديد تقوده أميركا وترتكز مضامينه الجوهرية إلى تحرير التجارة وتقليص سلطات الحكومات والتزاماتها وخصخصة الاقتصادات الحكومية وإشراك المنظمات غير الحكومية في رسم السياسات. وإذا كانت حملة ترامب الانتخابية وعدت بتقييد حرية السوق فهي لم تضف إلى أزمة الرأسمالية غير أنها صرحت بها على أعين مليارات البشر ومسامعهم، أما تناقضها مع نفسها فبدأ قبل مدة طويلة بفرض الحكومة الأميركية ضريبة على واردات الحديد والصلب الأوروبية والصينية والبرازيلية والكورية الجنوبية وصلت في أعلى معدل لها إلى نسبة 552 في المائة في مايو الماضي، وكذا فرضت الحكومات الأوروبية ضريبة على واردات الحديد الصينية. وعد ترامب بمنع شركة آبل من تصنيع أجهزتها الإلكترونية في الصين وفرض تعرفة جمركية بنسبة 35 في المائة على السيارات الأميركية المصنوعة في المكسيك، وإلغاء اتفاقية نافتا للتجارة مع دول اميركا اللاتينية. فبعد استغراق الرأسمالية لمرحلتها الإمبريالية العليا ومحاولة إطالة ازدهارها بالرؤى النيوليبرالية، تجد نفسها عاجزة أمام أزمتها الهائلة والبادية أعراضها في هذه الفاشيات التي يموج بها العالم وتتحفز لحكمه إلى جانب تفشي الفقر بمعدلات غير مسبوقة وتصادم المصالح الضخمة، المنذر بمواجهات كبرى. وما من كتلة نقيضة الآن، ليلتمع على أسوارها بريق الرأسمالية ورخاؤها المزعومان، بل بدلاً من تكامل الاقتصادات الضخمة تلمح المؤشرات إلى أنها في طريقها نحو صراع مرير ، وكل اقتصاد على حدة يتجه لينهش جسده بدءاً بإنفاذ وعود ترامب. قناة الاشتراكي نت تليجرام _ قناة اخبارية للاشتراك اضغط على الرابط التالي ومن ثم اضغط على اشتراك بعد أن تفتتح لك صفحة القناة https://web.telegram.org/#/im?p=@aleshterakiNet