يبدو أن العرب عامة معقدون من الأرقام الصغيرة، لذلك تحولت الأرقام العالية إلى مقياس الجودة، حتى في النساء يخالفون السنة النبوية ويطلبون أعلى المهور ليوهموا أنفسهم بأنهن أفضل الزوجات!مع دخول اليمن الألفية الثالثة تصدرت السياحة الرهانات الاقتصادية اليمنية، تم تأسس مجلس الترويج السياحي الذي ظل يجوب عواصم العالم، وينفق الملايين بغير حساب ليأتي الأخ وزير الخارجية في نهاية المطاف فيؤكد غياب النشاط الترويجي السياحي في الخارج، وهي الحقيقة التي كررها الأخ وزير السياحة/ نبيل الفقيه بعد بضعة اسابيع من تعيينه.. إذن ما قصة الأرقام التي تتحدث عن ارتفاع أعداد السياح خلال العامين الماضيين!؟إن حقيقة ما حدث هو أن الحرب الدولية ضد الإرهاب، ضيقت فرص السياحة الخليجية في اوروبا وامريكا فكانت اليمن إحدى المحطات البديلة، أما السبب الثاني فهو الاستقرار الكبير في الأوضاع الأمنية اليمنية أغرى سياح أوروبا وامريكا بالتوجه إلى هذا البلد «الأسطورة الحضارية» وبالتالي فإن وزارة الداخلية هي صاحبة الفضل الأول في رفع موارد السياحة اليمنية.مشاريع الترويج السياحي في اليمن تعد الأكبر تكلفة في العالم قياساً لمردوداتها.. ويبدو غريباً ذلك الإصرار على اعتبار الأرقام العالية مقياساً للاجتهاد بينما المنطق الاقتصادي يقول إن الأكثر جدوى هو ما قلت تكلفته وارتفعت عائداته.. فبالأمس انفقنا الملايين على صنعاء عاصمة الثقافة العربية في وقت ظلت متاحف اليمن مغلقة طوال ذلك العام باستثناء المتحف الحربي الذي لولا أنه يتبع إدارة التوجيه المعنوي لكان ضمن المغضوب عليهم ايضاً.. فيما كان الطريق إلى دار الحجر غير معبد وتحيط بجانبيه أكداس القمامة، ولا يكاد السائح يرى أي مظاهر تدل على أنه متوجه لمعلم سياحي عريق!ويبدو أن المهرجانات ذات التكاليف الباهظة ظلت مغروسة في ثقافتنا الترويجية، لذلك نحن في الطريق للاحتفال بمهرجان صيف صنعاء السياحي، وسنستضيف نفس الوجوه السابقة، لترى برامج مماثلة لما رأتها أيام العاصمة الثقافية، وفي نفس المكان «صنعاء القديمة» رغم أن الموسم سيواصل أمطاره في الفترة المعلنة، وشوارعنا مازالت لم تستكمل إصلاحاتها لتصريف مياه الأمطار، واستقبال الضيوف.الأمر الآخر الذي لفت انتباهي هو أن وزارة السياحة بدأت الترويج من خلال أربع صحفات في صحيفة «الثورة» ضمن ملحق اسبوعي ، لكن المواد المنشورة غير موجهة لتنمية الوعي السياحي الداخلي باعتبار أن الصحيفة محلية، وكان يفترض أن تطلب الوزارة عروضاً من جميع وسائل الإعلام المحلية للمفاضلة في الأفكار والتكاليف والخطط، فربما يكون هناك من لديه أساليب أفضل للترويح والتوعية السياحية.. أما إذا كان الهدف خارجياً فالأولى اللجوء إلى الصحف الالكترونية بوصفها نافذة اليمن إلى العالم الخارجي.وسائل الإعلام ينبغي أن تكون لاعباً اساسياً في الترويج السياحي، وهو ما يقتضي توزيع الأدوار عليها، فليس منطقياً أن نطالب الإعلام الوطني بتبني أدواره في خدمة هذا التوجه وبشكل تطوعي بينما نخص صحيفة حكومية واحدة بخدمات مدفوعة الأجر هي في الأصل جزء من مسئولياتها كمؤسسة ناطقة بلسان الحكومة ومعبرة عن سياساتها.أعتقد أن توسيع الخدمات والمرافق الملحقة بالمنشآت السياحية هو الترويج الأفضل لصناعة السياحة اليمنية، فنحن لحد الآن لا نملك برامج لانعاش الصناعات الشعبية في المناطق التي تقع فيها منشآت سياحية، فعادة ما تحرص الدول على فتح دورات للأهالي بهذا الشأن، وتعزيز التوعية بالكيفية التي يستفيدون بها من النشاط السياحي في مناطقهم.. فمثل تلك الخطوات ترسخ الأمن السياحي اولاً، وتحفز الأهالي على حماية المواقع الأثرية والسياحية، وتطور مستوياتهم المعيشية.. أليس هذا هو ما نتوخاه من النشاط السياحي!