ما إن يبسط الصيف ملكيته على خارطة الزمن وتبدأ الشمس طقوسها في لعب دور الحاكمة على أنفاسنا وأجسادنا وخلايا أدمغتنا.. وما إن تقل مساحات النسائم العليلة ليلاً كان أم نهاراً وتضيق الانفاس من وطأة الحر، حتى يبادر ميسورو الحال إلى شد الرحال وحزم حقائب اسفارهم والطيران بأجنحة الأمل إلى حيث يجدون سحابات الغيم تظلل نفوسهم الباحثة عن الطمأنينة والاستجمام بعيداً عن صخب الصيف وضجره وحرارة شمسه التي لاتحتمل.. هذا مايفعله »المبسوطون«، اللهم لاحسد، إنما ماذا يفعل وأين يذهب في الصيف البسطاء؟؟ فكلنا يا اعزائي بسطاء!! ففي ظل التحليق بأجنحة متكسرة على صخور الواقع المتردي الذي يحيط بهم والاحباطات التي تلحقهم وسوء الطالع الذي يلفهم من كل الاتجاهات وحيثما يمموا ارواحهم كي ينشدوا الطمأنينة والحصول على أدنى حق من حقوقهم يكتشفون انها حقوق مصادرة في واقع لايرحم البسطاء اينما وجدوا وحلوا... فواقع البسطاء في الصيف يصبح اشد مرارة ويمثل لهم الصيف الجحيم بذاته وحيثما تطأ اقدامهم يلحقهم النحس وسوء الطالع وكآبة الاحوال. فمن منا ينكر ان البسطاء لايحق لهم حتى التفكير بالاستحمام بقطرة ماء وازالة أوساخهم وحبيبات تعرق ألصقتها بهم أنامل الشمس المحرقة؟! وإن فكروا بذلك عليهم العدول سريعاً عن مثل هكذا خرافه وليتذكروا سريعاً أزمة الماء ودبب الزيت المحمولة على ظهور أطفالهم الهزيلة وهم يجوبون شوارع المدينة بحثاً عن الماء.. وسريعاً مايعترفوا ان الاستحمام في أيامنا هذه من الكماليات غير الضرورية البتة وعليهم التعود الاجباري على روائحهم كيفما كانت!! هذا من ناحية ومن ناحية أخرى إن تاقت نفوسهم إلى كوب عصير بارد أو التفكير في تشغيل مروحة، ان وجدت طبعاً، فإنهم يفكرون في غلاء السكر وأزمة الكهرباء وانقطاعاتها المتواصلة والتي تسبقهم إلى حيث يتوقد اليأس والاحباط في ارواحهم كمصابيح يشعلونها من زيوت تنهداتهم وحسراتهم،هذا مايحدث داخل جدران بيوتهم.. أما عندما تضيق بهم الجدران ويصبح البيت اشبه بمغارة شديدة الحرارة فانهم يتخذون قراراً مؤلماً وهو البحث عن نسمة هواء في أية حديقة أو منتزة، وما اقلها عندنا، وماهو موجود يعتبر بدرجة أولى حدائق للبسطاء فقط فنراهم قد تدفقوا وتدافعوا بأعداد كثيرة وكأنهم مساجين يرون النور لأول مرة بعد سجن طويل وحالهم يوحي لنا وكأنهم كالمستجير بالرمضاء من النار والجود من الموجود وهذا هو المتاح لهم ولأولادهم كل هذا وذاك فإنهم يجدون المضايقات من المستهترين والمتسكعين ممن ينقصهم الكثير والكثير ليستحقوا لقب »إنسان« كي ننعتهم به. وبعد ان ينتهى النهار بسلسلة من الضغوط العصبية والنفسية يرتجون خيراً في نسمات الليل العليلة كي يستمتعون بسكونه وهدوء قمره لكن هيهات ان تتحقق للبسطاء أية أمنية عقيمة لأن الليل وكما نعرف يتحول إلى مسرح لغناء الموترات واصواتها الشجية، دون رقيب أو حسيب تضج نفوسهم المحبطة قبل آذانهم ويصبح الضجيج والهم اللظى وجهان لعملة واحدة.. أما عن النسمات الندية فإنهم يستمتعون بطفح وروائح المجاري وعبيرها المنتشر في الأزقة والحواري ، فتطول ساعات ليلهم وتتحول مضاجعهم إلى جمر يتقلبون بين أركانه.. ومن ثم يهجر اجفانهم النوم ليلاً، ويغادرهم الأمان والطمأنينة نهاراً .. هذا هو حال البسطاء في الصيف، وللأسف في واقع يفرض عليهم الالتصاق بالتراب وتموت لديهم كل الامنيات والآمال في ان تتحسن أوضاعهم يوماً من الأيام كي يتمتعوا بأدنى الحقوق الانسانية في هذا البلد المعطاء.. فمن يضمن للبسطاء حقوقهم وهي مصادرة؟؟ومن يضمن لهم الاستحمام والشرب دون خوف من لهيب المياه المقطوعة؟؟ ومن يشعل لهم فتيل الأمل في قلوب وعيون تراكمت فوقها كثبان الهموم ومن يؤمن أرواحهم الخائفة من كهرباء تلسع بانطفاءتها مهجهم القاتمة؟ ومن يزرع في بساتينهم القاحلة غصوناً خضراء توعدهم بغد مشرق؟؟ ويظل الصيف يمثل للبسطاء كابوساً يتمنون ألا يعود لكنه حتماً يعود وتعود معه مشاكله.. وتبقى شكواهم قائمة إنما لايجيبها أحد .. ويستمر صراخهم المكتوم الذي لاتسمعه إلا أذانهم ولايصل لأحد... وبعد كل هذا الضجيج اخبروني بالله عليكم هل تعرفون ماذا يفعل وأين يذهب في الصيف البسطاء؟ وكل صيف ونحن المحترقون!!!