بعد أيام نحتفل بذكرى مرور 40 عاماً على نيل جنوبنا الاستقلال من بريطانيا ، والمناسبة فرصة للتذكير بنضالات آبائنا وأجدادنا في معركتهم المقدسة ضد الاحتلال البريطاني ، الذي جثم على أرض الجنوب لمدة 129 عاماً ، مرور40 عاماً على الاستقلال يعني لنا الشيء الكثير ، ذلك أن هذا اليوم أعاد للإنسان العربي بعضاً من كرامته التي بعثرت بعد نكسة حزيران العام 1967 ، كما كان هذا اليوم نقطة تحول حقيقية نحو صناعة التأريخ الذي ولد في 22 مايو 1990 ، ويجب على قيادة الدولة الالتفات إلى هذا الحدث بشكل جدي ، وعدم النظر إليه بأنه حدث عابر ، وعدم التعامل معه على أنه مناسبة "جلاء" لآخر جندي بريطاني من أرض الجنوب ، بل النظر إليه باعتباره استقلالاً حقيقياً ، لأن توصيف الاستقلال ب "الجلاء" هو بمثابة تنكر لدماء الشهداء الذين سقطوا وهم يقاومون المستعمر لمدة 129 عاماً. سيكون من المناسب الاحتفال بهذه الذكرى بعيداً عن الحساسيات والحسابات السياسية الضيقة لدى طرفي السلطة والمعارضة اللذين يعدّان العدة للاحتفال بهذه المناسبة بتوتر واضح ، فالاستقلال ، كما الوحدة ، ملك للجميع ، وعلى الجميع أن يحتفل بالطريقة التي لا يجب أن تخدش قدسية هذه المناسبة من قبيل احتكار المناسبة لنفسه أو التعامل معها بطريقة لا تليق بتضحيات الناس الذين قدموها لنعيش نحن اليوم حياة أفضل مما عاشوها هم. من المهم أن نترك للناس الطريقة التي سيحتفلون بها ، فأنا أشعر أن اليمنيين جميعهم لديهم الحب لوطنهم، كما لديهم الحرص على وحدته، وقصر المناسبات والاحتفالات على طرف بعينه يفرغ المناسبات الوطنية من مضمونها ويحولها إلى مهرجانات دعائية أكثر من مناسبات احتفالية حقيقية. ومن المهم تعميق هذا الشعور، خاصة في هذه الأيام الحرجة من تأريخنا ، في المناطق الشمالية من البلاد ، التي تغيب عنها مثل هذه الاحتفالات ، أو أنه يتم الاحتفال بها بطريقة عابرة لا تترك أي أثر لدى مواطني هذه المحافظات الذين لا يعرفون شيئاً عن استقلال الجنوب وأهميته في صنع اليوم الذي نعيشه. الدعوة لاحتفالات نوعية في ذكرى استقلال الجنوب لا يجب أن ينظر إليها على أنها احتفالات بمناسبة شطرية أو أنها قد تكون مناسبة لإحياء بعض النعرات الشطرية التي بدأت تتعالى هذه الأيام في بعض المناطق ، بل يجب أن ينظر إليها باعتبارها مناسبة وطنية تحمل الكثير من الدلالات. وخيراً فعلت السلطة المحلية بمحافظة تعز وعلى رأسها الأستاذ صادق أبو رأس بتشكيل لجنة من الأحزاب السياسية في المحافظة للاحتفال بهذه المناسبة ، ذلك أن تعز وأبناء تعز كان لهم دور هام في تحقيق هذا الاستقلال ، سواء من حيث احتضان المحافظة قادة الحركات السياسية الجنوبية أثناء الاستعمار أو في مشاركة أبنائها في صناعة فجر الاستقلال مع أشقائهم الجنوبيين الذين قدموا تضحيات كبيرة على طريق نيل الحرية من عدن إلى المهرة. من هنا فإن هذه المناسبة ، مناسبة ذكرى استقلال الجنوب، يجب أن تكون فرصة حقيقية لإعادة الثقة بين أبناء الوطن اليمني الواحد التي اهتزت قليلاً خلال الأشهر القليلة الماضية، والتعامل مع الأمور بواقعية شديدة ، والتيقن من أن التنازلات لبعضنا البعض هي أمر لصالح اليمن الكبير الذي يجب أن نحيطه جميعاً بالحب والرعاية والحرص على عدم انزلاقه إلى ما يسيء إلى تضحيات الشهداء الذين ضحوا بأرواحهم في الشمال والجنوب على السواء.