عندما تتحول الأحزاب إلى بقالات مفتوحة لبيع الشعارات، والهتافات، والخطب الحماسية، فليس على المرء إلاّ أن يدفع ثمن الديمقراطية زمناً جديداً من النضال والكفاح لتطهيرها من تجار السياسة في أسواق الانحطاط الحزبي وهزائم الديمقراطيين الجدد. عندما يشهر المرء إفلاسه يضطر لبيع أسماله في الحراج، لكن حين أفلست أحزاب المشترك، وباتت «لعنة» الهزيمة الانتخابية الرئاسية تقض مضاجعها رفعت جلابيب الديمقراطية، وكشفت عورة الأيديولوجيات المهترئة، ووقفت أمام أبناء دمت في مهرجان الشهيد جار الله عمر وأعلنت تنصيب مرشحها الرئاسي المهزوم فيصل بن شملان (رئيساً فخرياً للجمهورية اليمنية)! فثمة عقليات منهارة في هذا البلد باتت ترى نفسها أكبر من الوطن، وأعظم من الشعب اليمني، وفوق كل قيم السياسة والديمقراطية، لذلك أعلنت وصايتها المطلقة على البشر والشجر والحجر. كنت أعلم أن المشترك يعيش أزمة، وحالة يأس مطبقة منذ هزيمته في الانتخابات الرئاسية، لكنني لم أتوقع أن يبلغ اليأس حد الجنون، واتخاذ القرار بتعويض خسائر الواقع في عالم الأوهام، فيجعلون من أحدهم رئيساً «فخرياً» وربما يشكلون برلماناً «فخرياً»، بأعضاء فخريين، أو حكومة «فخرية» بوزراء فخريين.. وكل ما أخشاه ألاّ تتسع مخيلاتهم للعثور على دولة فخرية اسمها اليمن ليحكمها بن شملان كلما خلد إلى النوم..!!. إن قمة المهزلة أن تهرب أحزاب المشترك من الواقع إلى عالم الأوهام، وتخدع نفسها بمسميات لو بحث محمد قحطان في كل المواقع الإلكترونية لن يجد لها وجوداً، ولن يعثر على لقب رئيس جمهورية «فخري» حتى في أدغال الأمازون، أو مذكرات الهنود الحمر قبل أن يبيدهم الأمريكيون الأوائل. يبدو أن جمهورية «المشترك» لا تعترف بانتخابات رئاسية «فخرية» ولا بحق جماهيري في انتخاب الرئيس الفخري، ولا تؤمن بشيء غير بن شملان.. وهي لا تفعل ذلك إلاّ لأن هذا الرجل القادم من مقرات الإخوان المسلمين هو قناة أكبر دعم مادي تطاله يد المشترك، إكراماً من إحدى الدول التي يرتبط معها بن شملان بعلاقات حميمة تفوق كل التصورات والحسابات، لأنها علاقات موغلة في القدم، ومنشأها مصالح نفطية. عندما فكر المشترك بمرشح رئاسي عجز على أن يجد بين صفوفه من هو بمواصفات مثالية إلاّ أن ما تعهدت به إحدى الدول من دعم سخي للمهندس بن شملان فيما إذا تم اختياره كان كفيلاً بترسيخ القناعة حتى لدى الأحزاب العلمانية بأن بن شملان هو «الزعيم» المرتقب، لكن أحداًِ لم يتوقع أن يتحول بن شملان بعد عام من الهزيمة إلى «لقب فخري» لا يهش ولا ينش والكل يتداول منصبه الجديد بسخرية. يبدو أن زمن المناضلين انتهى في اليمن، وزمن الحركات الوطنية ولى بغير رجعة، وزمن العقول السياسية النيرة والحكيمة غادر الساحة ولم يعد هناك غير البقالات الحزبية وزعماء ليتهم كانوا من ورق بل من أوهام.. فثمة ديمقراطية وهمية اختارتها المعارضة اليمنية لعهد الديمقراطيين الجدد.