تصريحات شبه يومية تتبارى بإطلاقها مكاتب وزارة الصناعة في المحافظات، تؤكد فيها إحالة عددٍ من التجار المخالفين للنيابات العامة، فمكتب الصناعة بالمحافظة الفلانية أحال عدداً من المخالفين، ومكتب المحافظة العلانية أحال نفس العدد أو أكثر أو أقل منه. المهم أن عملية ضبط المخالفين تسير على خير ما يرام، وما هي إلا أيام أو أشهر على أقصى تقدير حتى يتم القضاء على كافة المخالفات وتشهد السوق استقراراً شاملاً، طبعاً كل هذا بفضل ما تقوم به وزارة الصناعة والتجارة ومكاتبها في المحافظات من حملات رقابية تنفذها بشكل يومي لمراقبة عملية التقيد بالأسعار وإشهارها وضبط السلع الفاسدة والمنتهية الصلاحية. شيء جميل ما تقوم به الوزارة ومكاتبها من حملات تفتيشية ورقابية في الأسواق والمحلات التجارية، لكن الأجمل هو أن يلمس المواطن ثمار هذه الحملات المتواصلة وتنعكس آثارها الإيجابية على واقع حياته المعيشية ، فالمواطن لايهمه أن يسمع بقيام هذه الحملات بقدر ما يهمه ما الذي سيستفيده منها خاصة وأنها حتى الآن رغم كثرتها بلا أثر ولم تحقق أية فائدة، وهو ما يجعل الكثيرين يشككون في حقيقة وصحة ما يُعلن عنه من إحالة هؤلاء التجار إلى النيابة، وأن الأمر ليس سوى مجرد كلام لذر الرماد في العيون ، بدليل أنه ليس هناك حتى الآن ما يثبت إجراء محاكمات لأمثال هؤلاء التجار أو اتخاذ إجراءات عقابية ضدهم وخاصة التجار الكبار في قضايا سلع مغشوشة أو منتهية الصلاحية أو مخالفة التسعيرة أو عدم إشهار الأسعار. وإذا ما سلمنا فرضاً بصحة ما يُعلن من إحالة هؤلاء التجار المتلاعبين والمخالفين للنيابة العامة، فهل يتم اتخاذ إجراءات رادعة بحقهم لمنعهم من العودة إلى ما كانوا عليه من غش وجشع؟ أعتقد وغيري الكثيرون أنه ليس هناك لا إجراءات رادعة ولا يحزنون، وأن هذه المسائل يتم فيها الوصول إلى حلول ودية ترضي الطرفين و «يادار ما دخلك شر»، يعود بعدها التجار إلى ممارساتهم، وكأن شيئاً لم يكن، لأنه لو يتم تطبيق القانون بصرامة في حق هؤلاء التجار المخالفين واتخاذ العقوبات الرادعة ضدهم، لوجدنا أن نسبة المخالفات ستقل تدريجياً حتى تتلاشى مع الوقت، أما ما هو حاصل في الواقع هو أن هذه المخالفات لاتزال مستمرة وتتكاثر كل يوم فالسلع المغشوشة وغير الصالحة للاستخدام الآدمي تملأ الأسواق، والمخالفات السعرية قائمة في كل شيء، بل ليس هناك أدنى التزام بما أقرته الوزارة من تسعيرة، وأيضاً لا وجود لما يسمى بعملية إشهار الأسعار إلاَّ في تصريحات مسئولي الوزارة ومكاتبها في المحافظات. وإذا سلمنا فرضاً وللمرة الثانية بصدق إحالة مثل هؤلاء التجار إلى النيابة، وسلمنا أيضاً بأنه يتم اتخاذ إجراءات رادعة بحقهم، فهل تطال هذه الحملات جميع التجار صغاراً وكباراً ؟ في حقيقة الأمر تتم هذه العملية بانتقائية على طريقة «الخيار والفقوس» ووفق قاعدة «اليد اللي ماتقدرش تكسرها بوسها» ، لأن أغلب من تتم إحالتهم للنيابة ليسوا سوى تجار صغار على باب الله، لا حول لهم ولا قوة، ولا ذنب لهم سوى أنهم دون سند أو ظهر يحميهم في مثل هكذا قضايا، ولا تهمة لهم سوى أنهم وقعوا ضحية للتجار الكبار الذين يستوردون البضائع الفاسدة والمخالفة للمواصفات والمقاييس ويبيعونها للتجار الصغار بالأسعار التي يريدونها، وهؤلاء (الكبار) لا أحد يستطيع محاسبتهم؛ لأن لديهم حصانة من المساءلة والمحاسبة، فتلجأ وزارة الصناعة لمحاسبة هؤلاء التجار الصغار لإثبات جدية تحركاتها في ضبط المخالفين. وأخيراً ألستم معي بأن هذه التصريحات المتضمنة إحالة التجار المخالفين إلى النيابات العامة.. إذا ما صدقت وظلت بنفس الوتيرة فإننا سنجد أنفسنا في يوم من الأيام في مجتمع ليس فيه تاجر واحد فاسد.. نتمنى ذلك بقدر ما نتمنى أن نرى ونسمع فعلاً لا قولاً محاكمة أمثال هؤلاء التجار المخالفبن واتخاذ أقصى الإجراءات العقابية الرادعة بحقهم.. عندها فقط يمكن أن نؤمن بصحة وصدق ماتنفذه وزارة الصناعة والتجارة من إجراءات لحماية المواطن والحفاظ على صحته وحياته. [email protected]