أثمرت تضحيات المناضلين ودماء الشهداء الذين قدموا أرواحهم في سبيل الله أولاً، ومن أجل الحرية والاستقلال عن المستعمر البريطاني ثانياً أن انتصرت الثورة وتحقق الاستقلال وتحققت الكثير من المنجزات التي كانت ضمن أهداف الثورة وآمال الثوار وقد هانت عليهم أرواحهم ودماؤهم وكل تكاليف الثورة وأثمان الحرية فدفعوها من غير تردد، لأن مابعدها كان أثمن وأغلى في وعيهم وإدراكهم لمعنى انتصار الثورة ومعنى الحرية والاستقلال ولما سوف يتحقق بعد الانتصار. لم تخطر على بال أحدهم فكرة مَنْ المستفيد من انتصار الثورة بعد أن يذهب شهيداً أو يعيش معاقاً أو مصاباً بعاهة دائمة جراء الحرب التي سيخوضها وهو لايعلم كيف سينتهي به الحال بعدها؟ كانوا على علم وإدراك أن الشعب اليمني كله هو المستفيد الأول وأن الأجيال القادمة سوف ترى آثار تضحياتهم وسوف تدرك عظمة هؤلاء الأبطال ومدى إيمانهم بالله وعدالة الهدف الذي من أجله دفعوا أرواحهم وذهبوا في سبيل الوطن ومن أجل الأجيال القادمة، لتدرك الأجيال أنه لولا أولئك الذين استرخصوا الموت والآلام والمتاعب لما كان المستعمر قد رحل. هذه الحقيقة لايمكن تجاهلها وفكرة مَنْ سيستفيد من تضحياتي بعد موتي لاتصنع نصراً ولاتقيم ثورة، ولأن هذه الفكرة لم تكن حاضرة في وعي الشهداء والمناضلين انتصرت الثورة وأشرقت شمس الحرية والاستقلال لتزيح شمس المملكة التي لاتغيب عنها الشمس. توافد الثوار والمناضلون من كل أرجاء اليمن لنصرة ثورة أكتوبر التي اشتعلت ضد الانجليز في عدن والمناطق الأخرى التي احتلتها القوات البريطانية..لقد جاءوا من كل مكان من أجل الجهاد وتحرير الأرض ولم تقف في طريق سعيهم فكرة مَنْ المستفيد من الثورة؟ اليوم يتكرر القول: إن الذين جاءوا لنصرة ثورة أكتوبر المجيدة كانوا يؤمنون بواحدية الثورة وواحدية الأرض والإنسان، يوم أن ذهبوا إلى ميادين الجهاد ومقاومة الاستعمار كانوا أبطالاً لايختلف على بطولتهم اثنان، ولم يُدُرْ في مخيلة أحد من أين جاءوا ولماذا؟ لم تكن المناطقية ولا الشطرية حاضرة في أحاديث الناس ووعيهم، بالرغم من الوضع الذي كان سائداً في ذلك الوقت لأن الوعي كان ينطق بأن هؤلاء جاءوا من اليمن إلى اليمن.. جاءوا من أجل الدفاع عن الأرض والإنسان..جاءوا لنصرة أهلهم وذويهم من ظلم الاستعمار الذي طال أمده في جزء من أرض اليمن. واليوم أيضاً حين نرى زوار عدن في الأعياد وغيرها من الأيام إنما نرى أبناء الشهداء والثوار وأحفادهم ونرى أجيالاً ترسم لوحات أحلام الشهداء الذين كانوا على علم وإيمان مطلق بأن فرحة الأجيال القادمة وصدى أناشيد الصغار والكبار في سواحل عدن وسواحل كل اليمن هي الحلم الذين كانوا يرسمونه في ذاكرة كل واحد منهم وهي واحدة من الآمال العريضة التي زرعوها بدمائهم وأرواحهم وهي الوصية التي كتبوها للأجيال القادمة، ومضمونها لقد التقينا في ميادين التضحية والنضال من أجلكم فلتكن لقاءاتكم على المحبة والاخاء تعبيراً صادقاً على إيمانكم بتضحياتنا..هذه الوصية لكل الأجيال القادمة في سواحل عدن والمكلا والحديدة ارتسمت لوحات جميلة في العيد كانت تجسيداً صادقاً وواضحاً لحلم شهداء الثورة اليمنية حيث لا «قرصان بالساحل ولا بالباب حاجب» وبذلك كانت لوحة وحدوية لم تتدخل بها يد الرسام، وماأجملها من لوحة وماأروع ابتسامات المحبة المتبادلة بين الناس والبحر وماأعظم تضحيات الشهداء والمناضلين من أجل هذه اللوحة!!