يوم عرفة هو من أكثر الأيام خيراً وبركة وفضلاً، وهو كفارة لمن صامه إيماناً واحتساباً يذهب ذنوب عام مضى وعام آتٍ، ولذلك يشهد هذا اليوم إقبالاً منقطع النظير على صيامه من قبل المسلمين في شتى بقاع العالم.. وفي هذا اليوم الأغر يؤدي حجاج بيت الله الحرام النسك الرابع من مناسك الحج والركن الثاني من أركانه وهو الوقوف بعرفة .. وهو أعظم أركان الحج لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «الحج عرفات والعمرة الطواف بالبيت»، وفيه يقف الملايين على صعيد جبل الرحمة جبل عرفات الطاهر ملبين مهللين ألسنتهم عامرة بذكر الله وأيديهم مرفوعة إلى بارئها تسأله الرحمة والمغفرة والقبول في مشهد إيماني عظيم يجسد فيه الحجيج من مختلف أرجاء المعمورة وحدة المسلمين وعظمة هذه الفريضة والدلالات التي تضمنتها خطبة الرسول عليه الصلاة والسلام في هذه المناسبة الدينية العظيمة وما ينبغي أن يكون عليه المسلمون في هذا اليوم الأغر من قيام وطاعة وعبادة والتزام ابتغاء مرضاة الله والفوز بالقبول بين يديه. ويكتسب هذا اليوم فضائل عديدة، حيث يعتبر الدعاء فيه من أفضل الدعاء لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «أفضل الدعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير»، ومن فضائل يوم عرفة استجابة الدعاء ومضاعفة أجر الإنفاق على الفقراء والمساكين لقوله صلى الله عليه وآله وسلم عندما وقف يوم عرفة والناس يقبلون: «مرحباً بوفد الله الذين إذا سألوا أعطوا ويستجاب دعاؤهم ويضاعف للرجل الواحد من نفقة الدرهم ألف درهم»، ومن فضائل يوم عرفة أنه أكثر الأيام التي يعتق فيها المولى عز وجل عباده من النار لقوله «صلى الله عليه وسلم»: «ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يدنو فيباهي بهم الملائكة»، وفي هذا اليوم يحصد الواقفون على صعيد عرفات من حجاج بيت الله الحرام أغلى الجوائز وأثمنها وهي استحقاق مغفرة الله عز وجل لهم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم: «إن الله تعالى يباهي بأهل عرفة ملائكته ويقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً: يا أهل عرفة قد غفرت لكم». وفي مناسبة دينية كهذه وفي حدث إسلامي تأنس لمطالعة تفاصيله القلوب وتزدان بالاطمئنان والاستقرار وتتعمق بداخلها مشاعر إيمانية دفاقة بالألق والسعادة تتبدى أمامنا ضرورات تحتم علينا تطبيقها وترجمتها وفي مقدمتها غرس أواصر المحبة والألفة والوحدة في أوساط أبناء العروبة والإسلام وتجاوز الخلافات والصراعات والمناكفات السياسية والمذهبية والطائفية والعمل على لم الشمل ووحدة الصف الإسلامي، وذلك لما من شأنه جمع كلمة المسلمين وتخندقهم في خندق واحد لمواجهة أعداء الإسلام الذين يتربصون به وبالمسلمين الداوئر، والعمل على خدمة الإسلام والمسلمين وبذل الجهود الطيبة من أجل إعلاء راية الإسلام ونقل صورة واقعية لسماحة الإسلام وسمو رسالته وتقديمها للعالم أجمع بالصورة المثلى وبالكلمة الطيبة والأسلوب الأمثل لتصحيح الصورة المغلوطة التي يحاول أعداء الإسلام صبغ الدين الإسلامي بها بأطروحاتهم الفجة وأفكارهم وتحليلاتهم المنحرفة المشبعة بالحقد والكراهية والعنصرية المقيتة والتي يصورون فيها الإسلام بأنه دين يحرض على الإرهاب والتطرف والغلو في مؤامرة تستهدف الإضرار بالإسلام والمسلمين وإعطاء المبررات لمصادرة ثرواتهم واحتلال أراضيهم تحقيقاً لمؤامراتهم الخبيثة، في وقت يدرك هؤلاء ومن على شاكلتهم بأن ديننا الإسلامي دين السلام والسماحة والعدل دين قائم على تشريع سماوي عادل مرتكز على الوسطية والاعتدال، دين يعلي قيم الإنسانية ومفاهيم العدالة السامية، دين قائم على احترام الآخر والتعايش معه بسلام، دين كفل كل معاني الفلاح والرشاد والسعادة لكل من سار على نهجه ومساره المشع بالنورانية والهداية. وما أحوجنا اليوم إلى أن نستلهم من مشهد الوقوف العظيم الذي رسمه حجاج بيت الله الحرام على جبل عرفات معاني الوحدة ودلالاتها وأبعادها والعمل على تجسيدها في الواقع المعاش سلوكاً وممارسةً والتخلي عن مظاهر التفكك والانقسام والعداوة والبغضاء التي صارت للأسف تطغى على العلاقات العربية والإسلامية فيما بين الدول العربية الإسلامية وفي داخل الدولة والنظام الواحد، والتي مكنت الأعداء من حياكة المؤامرات وصب الزيت على النار للمزيد من الانقسام والعداوة في أوساط أبناء الإسلام الذين آن الأوان لأن يستفيقوا من غفلتهم ويتحرروا من نزوات أنفسهم ويعمدوا إلى بث مشاعر الوحدة والألفة وتجسيدها في المجتمع الإسلامي فيما بين الدول والمنظمات والهيئات والأحزاب والأفراد، كون المرحلة الراهنة تتطلب المزيد من الوحدة والتماسك والعمل لما من شأنه المصلحة العليا للإسلام والمسلمين بعيداً عن المصالح الشخصية التي تكون على حساب مصالح الإسلام والمسلمين. كل الأمنيات بأن تكون هذه المناسبة فاتحة الخير لوحدة المسلمين والقضاء على خلافاتهم ليبدأوا صفحة جديدة تمكنهم من استعادة مكانتهم ودورهم الريادي في مختلف المجالات، سائلين من المولى عز وجل بأن يكتب لحجاج بيته العتيق هذا العام السلامة والعافية وأن يمنّ عليهم بالقبول والمغفرة وأن يعيدهم إلى أهلهم وذويهم وهو راضٍ عنهم بذنب مغفور وحج مبرور وتجارة رابحة لا تبور ونسأله بأن يشركنا في أجرهم بمنه وكرمه. وللجميع خالص التهاني والتبريكات بمناسبة حلول عيد الأضحى المبارك، عيدكم مبارك وكل عام والجميع بألف ألف خير وعساكم من عواده بالخير والصحة والسلامة.