تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    حالة وفاة واحدة.. اليمن يتجاوز المنخفض الجوي بأقل الخسائر وسط توجيهات ومتابعات حثيثة للرئيس العليمي    الاحتلال يواصل جرائمه بحق سكان غزة وحصيلة الشهداء تتجاوز 34 ألفاً    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    خطوات هامة نحو تغيير المعادلة في سهل وساحل تهامة في سبيل الاستقلال!!    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    برشلونة يسعى للحفاظ على فيليكس    مصادر تفجر مفاجأة بشأن الهجوم الإسرائيلي على أصفهان: لم يكن بمسيرات أو صواريخ أرض جو!    أول تعليق إماراتي بعد القصف الإسرائيلي على إيران    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    الرد الاسرائيلي على ايران..."كذبة بكذبة"    الجنوب يفكّك مخططا تجسسيا حوثيا.. ضربة جديدة للمليشيات    اشتباكات قبلية عنيفة عقب جريمة بشعة ارتكبها مواطن بحق عدد من أقاربه جنوبي اليمن    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    السعودية تطور منتخب الناشئات بالخبرة الأوروبية    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    مسيرة الهدم والدمار الإمامية من الجزار وحتى الحوثي (الحلقة الثامنة)    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    استدرجوه من الضالع لسرقة سيارته .. مقتل مواطن على يد عصابة ورمي جثته في صنعاء    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    إنهم يسيئون لأنفسم ويخذلون شعبهم    نقطة أمنية في عاصمة شبوة تعلن ضبط 60 كيلو حشيش    مركز الإنذار المبكر يحذر من استمرار تأثير المنخفض الجوي    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    طاقة نظيفة.. مستقبل واعد: محطة عدن الشمسية تشعل نور الأمل في هذا الموعد    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 33.970    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    الرئيس: مليشيا الحوثي تستخدم "قميص غزة" لخدمة إيران ودعم الحكومة سيوقف تهديداتها    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    غرق شاب في مياه خور المكلا وانتشال جثمانه    بن بريك يدعو لتدخل إغاثي لمواجهة كارثة السيول بحضرموت والمهرة    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    مفاجأة صادمة ....الفنانة بلقيس فتحي ترغب بالعودة إلى اليمن والعيش فيه    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    10 أشخاص ينزحون من اليمن إلى الفضاء في رواية    خطة تشيع جديدة في صنعاء.. مزارات على أنقاض أماكن تاريخية    وللعيد برامجه التافهة    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من خصوصيات وفضائل شهر ذي الحجة الحرام
نشر في هنا حضرموت يوم 18 - 10 - 2012

سُمّي هذا الشهر بذي الحجة لحجّهم فيه فهو شهر الحج الأكبر.
1- من خصائصه المتفق عليها أنه من الأشهر الحرم، وأنها ثاني الثلاثة السرد، بدلالة حديث البخاري الصحيح عن أبي بكرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنّ الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا، منها أربعة حرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)) .
2- ومن خصائصه أنّ فيه العشر المباركة قال السيوطي في (الدر المنثور): أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرقٍ عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله :{وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر} قال: ذو القعدة وعشر من ذي الحجة ، وأخرج أحمد والنسائي والبزار وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه والحاكم وصححه والبيهقي في (الشعب) عن جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: {والفجر وليال عشر والشفع والوتر} قال: إن العشر عشر الأضحى والوتر يوم عرفة والشفع يوم النحر.
3- أن الأعمال فيه تفضل غيرها من حيث الأجر والمثوبة، لما رواه البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟ أي العشر من ذي الحجة» قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء»، قال الشوكاني: والحديث فيه تفضيل أيام العشر على غيرها من السنة، والحكمة في تخصيص عشر ذي الحجة بهذه المزية اجتماع أمهات العبادة فيها: الحج، والصدقة، والصيام، والصلاة، ولا يتأتى ذلك في غيرها.
5- ومن خصوصيات هذا الشهر أنه يستحب في العشر منه لمن أراد أن يضحّي أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئاً حتى يضحي، ففي صحيح مسلم عن أم سلمة، أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «إذا دخلت العشر، وأراد أحدكم أن يضحي، فلا يمس من شعره وبشره شيئا»، قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم: وفي رواية «فلا يأخذن شعرا ولا يقلمنّ ظفرا»، واختلف العلماء فيمَن دخلت عليه عشر ذي الحجة وأراد أن يضحي فقال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي أنّه يحرم عليه أخذُ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية، وقال الشافعي وأصحابه هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام، وقال أبو حنيفة لا يكره، وقال مالك في رواية لا يكره وفي رواية يكره وفي رواية يحرم في التطوع دون الواجب، واحتجَّ مَن حرّمَ بهذه الأحاديث، واحتج الشافعي والآخرون بحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنتُ أفتل قلائدَ هديِ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم يقلده ويبعث به ولا يحرم عليه شيء أحلّه الله حتى ينحر هديه، رواه البخاري ومسلم، قال الشافعي: البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية فدلّ على أنه لا يحرم ذلك، وحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه، قال أصحابنا والمراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهي عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره، والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذه بنورة أو غير ذلك وسواء شعر الإبط والشارب والعانة والرأس أو غير ذلك من شعور بدنه، والمعنى أنه لا يمس مِن شعره وبَشَرهِ شيئاً، قال أصحابنا والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء ليعتق من النار.
6- ومن خصوصيات العشر من ذي الحجة سُنيّة صيامها، ففي سنن الترمذي عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ما مِن أيام أحب إلى الله أنْ يتعبّد له فيها مِن عشر ذي الحجة يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة وقيام كل ليلة منها بقيام ليلة القدر، وهذا الحديث وإن كان ضعيفا فقد دلّ حديث ابن عباس رضي الله عنهما المتقدّم والذي في صحيح البخاري على مضاعفة جميع الأعمال الصالحة في العشر من غير استثناء شيء منها، وفي صحيح ابن حبان عن حفصة رضي الله عنها، قالت: «أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: صيام يوم عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة»، وممن كان يصوم العشر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما والحسن البصري وابن سيرين وقتادة، وكان سعيد بن جبير رضي الله عنهما إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه، وروي عنه أنه قال: لا تطفئوا سُرجكم ليالي العشر، تعجبه العبادة، وفي (الدر المنثور) للحافظ السيوطي قال: وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أبي عثمان النهدي قال: كانوا يعظمون ثلاث عشرات: العشر الأول من المحرم، والعشر الأول من ذي الحجة، والعشر الأخيرة من رمضان.
7- ومن خصوصيات هذه العشر أيضا استحباب الإكثار من الذكر فيها فقد دلّ عليه قول الله عز وجل: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] فإن الأيام المعلومات هي أيام العشر عند جمهور العلماء، قال ابن عباس رضي الله عنه: (ويذكروا اسم الله في أيام معلومات) [الحج: 28] أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق، وكان ابن عمر، وأبو هريرة رضي الله عنهما يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران ويكبّر الناس بتكبيرهما كما في صحيح البخاري، وَبَانَ مِن فعْلِ الصحابة أنّ أفضل الذكر في الأيام العشر وأيام التشريق تكبير الله تعالى، قال الإمام الشيرازي في (المهذب): وعن عبد الله بن محمد بن أبي بكر بن عمرو بن حزم قال: رأيت الأئمة رضي الله عنهم يكبّرون أيام التشريق بعد الصلاة ثلاثاً. وعن الحسن مثله. قال في (الأم): وإن زاد زيادة فليقل بعد الثلاث: الله أكبر كبيراً والحمد لله كثيراً وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، لا إله إلا الله وحده صدق وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله والله أكبر؛ لأنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك على الصفا، ويستحب رفع الصوت بالتكبير لما روي أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يخرج في العيدين رافعاً صوته بالتهليل والتكبير لأنه إذا رفع صوته سمع مَن لم يكبّر فيكبّر، قال الشيخ باعشن في (المقدمة الحضرمية): ويكبّر الحاج مِن ظُهر يوم النحر إلى صُبح آخر التشريق، ويكبّر غيره من صبح يوم عرفة إلى عصر آخر التشريق بعد صلاة كل فرض أو نفل أداء وقضاء وجنازة وإنْ نسي كبّر إذا تذكّر، ويكبّر لرؤية النّعم في الأيام المعلومات -وهي عشر ذي الحجة-.
8- ومن خصوصيات الأيام العشر اشتمالها على يوم عرفة ذلك اليوم العظيم المبارك، ففي الصحيحين قال رجل من اليهود لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: يا أمير المؤمنين، لو أنّ علينا نزلت هذه الآية: {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} [المائدة: 3] ، لاتخذنا ذلك اليوم عيدا، فقال عمر: «إني لأعلم أي يوم نزلت هذه الآية، نزلت يوم عرفة، في يوم جمعة»، وأخرج الترمذي عن ابن عباس رضي الله عنهما نحوه وقال فيه: نزلت في يوم عيد من يوم جمعة ويوم عرفة.
ويوم عرفة هذا هو يوم العتق من النار، فيعتق الله من النار مَن وقف بعرفة ومَن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيدا لجميع المسلمين في جميع أمصارهم، مَن شهِد الموسم منهم ومن لم يشهده لاشتراكهم في العتق والمغفرة يوم عرفة، ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ما مِن يوم أكثر مِن أنْ يعتق الله فيه عبيدا مِن النار مِن يوم عرفة وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء؟)) وفي المسند عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنّ الله يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا)) وفيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((إنّ الله يباهي بأهل عرفات يقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا)) وخرجه ابن حبان في صحيحه وخرج فيه أيضاً من حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((ما مِن يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تبارك وتعالى إلى السماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهلَ السماء فيقول: انظروا إلى عبادي شُعثاً غبراً ضاحين جاؤوا من كل فج عميق يرجون رحمتي ولم يروا عذابي، فلم ير أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة)) وخرجه ابن منده في كتاب (التوحيد) ولفظه: ((إذا كان يوم عرفة ينزل الله إلى سماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة فيقول: انظروا إلى عبادي أتوني شعثاً غبراً من كل فج عميق أشهدكم أني قد غفرتُ لهم فتقول الملائكة: يا رب فلان مرهق فيقول: قد غفرتُ لهم فما من يوم أكثر عتيقا من النار من يوم عرفة)) وقال: إسناد حسن متصل .
وخرج مالك في (الموطأ) من مراسيل طلحة بن عبيد الله بن كريز أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما رؤي الشيطان يوما هو فيه أصغر ولا أدحر ولا أحقر ولا أغيظ منه يوم عرفة وما ذاك إلا لما يرى من تنزّل الرحمة وتجاوز الله عن الذنوب العظام إلا ما رؤي يوم بدر)) قيل: وما رأى يوم بدر قال: ((رأى جبريل عليه السلام وهو يَزَعُ الملائكة)).
وروى أبو عثمان الصابوني بإسناد له عن رجل كان أسيرا ببلاد الروم فهرب من بعض الحصون قال: فكنت أسير بالليل وأكمن بالنهار فبينا أنا ذات ليلة أمشي بين جبال وأشجار إذا أنا بحسٍّ، فراعَني ذلك، فنظرتُ فإذا راكب بعير فازددتُ رعباً؛ وذلك لأنه لا يكون ببلاد الروم بعير فقلت: سبحان الله في بلاد الروم راكب بعير إن هذا لعجب!! فلما انتهى إليّ قلت: يا عبد الله مَن أنت؟ قال: لا تسأل قلت: إني أرى عجبا! فأخبرني؟ فقال: لا تسأل فأبيتُ عليه فقال: أنا إبليس وهذا وجهي من عرفات رافقتهم عشية اليوم اطلع عليهم فنزلَتْ عليهم المغفرة ووهب بعضهم لبعض فداخلني الهمّ والحزن والكآبة، وهذا وجهي إلى قسطنطينية انفرج بما أسمع من الشرك بالله وادعاء أن له ولدا فقلت: أعوذ بالله منك فلما قلت هذه الكلمات لم أرَ أحدا.
ويشهد لهذه الحكاية حديث عباس بن مرداس الذي خرجه أحمد وابن ماجه في دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمته عشية عرفة ثم بالمزدلفة فأجيب فضحك صلى الله عليه وآله وسلم وقال: ((إنّ إبليس حين عَلِم أنّ الله قد غفر لأمتي واستجاب دعائي أهوى يحثي التراب على رأسه ويدعو بالويل والثبور فضحكت من الخبيث من جزعه)) فمن طمع في العتق من النار ومغفرة ذنوبه في يوم عرفة فليحافظ على الأسباب التي يرجى بها العتق والمغفرة فمنها:
صيام ذلك اليوم، ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ((صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفّر السنة التي قبله والتي بعده)).
ومنها: حفظ جوارحه عن المحرمات في ذاك اليوم، ففي مسند الإمام أحمد عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ((يوم عرفة هذا يومٌ مَن مَلَكَ فيه سمعَه وبصرَه ولسانَه غُفر له)).
ومنها: الإكثار من هذا الذكر الذي رواه أحمد في المسند عن عبد الله بن عمر قال: كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة: ((لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير، وهو على كل شيء قدير)) وخرجه الترمذي ولفظه: ((خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون مِن قلبي: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)) وخرجه الطبراني من حديث علي وابن عمر مرفوعا أيضاً.
ومنها: كثرة الدعاء بالمغفرة والعتق فإنه يرجى إجابة الدعاء فيه، روى ابن أبي الدنيا بإسناده عن علي قال: ليس في الأرض يوم إلا لله فيه عتقاء من النار وليس يوم أكثر فيه عتقاً للرقاب من يوم عرفة، فأكثِر فيه أن تقول: اللهم اعتق رقبتي من النار وأوسع لي من الرزق الحلال واصرف عني فسَقَة الجن والإنس.
واعلم أخي إنّ مَن فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقّه الذي عرفه.. مَن عجز عن المبيت بمزدلفة فليبِت عزمَه على طاعة الله وقد قربه وأزلفه.. من لم يمكنه القيام بأرجاء الخيف فليقم لله بحق الرجاء والخوف.. من لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى.. ومَن لم يصِلْ إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد ربَّ البيت فإنه أقرب إلى مَن دعاه ورجاه من حبل الوريد.
9- ومن خصوصيات هذا الشهر المبارك ذبح الأضاحي في اليوم العاشر منه والأضاحي سنة نبي الله إبراهيم عليه السلام ونبي الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ الله شرعها لإبراهيم حين فدى ولده الذي أمره بذبحه بذبح عظيم، وفي حديث زيد بن أرقم قيل: يا رسول الله ما هذه الأضاحي قال: ((سنة إبراهيم)) قيل له: فما لنا بها؟ قال: ((بكل شعرة حسنة)) قيل: فالصوف؟ قال: ((بكل شعرة من الصوف حسنة)) خرجه ابن ماجه وغيره، ولتتصدق من الأضاحي المسنونة على الأهل والأقارب والفقراء والمساكين، أما الأضحية الواجبة فيجب التصدق بجميعها، ويستمر وقت ذبح الأضاحي من بعد صلاة العيد إلى غروب ثالث أيام التشريق، وقد بيّن رسول الله في سنته سِنَّ الأضاحي وشروطها فلا نطيل بذلك، وقد لخصه الإمام النووي في منهاج الطالبين بقوله: ويسنّ أن يذبحها بنفسه وإلا فيشهدها ولا تصح إلا من إبل وبقر وغنم وشرط إبل أن يطعن في السنة السادسة وبقر ومعز في الثالثة وضأن في الثانية، ويجوز ذكر وأنثى وخصي، والبعير والبقرة عن سبعة، والشاة عن واحد، وأفضلها بعير ثم بقرة ثم ضأن ثم معز، وسبع شياه أفضل من مشاركة في بعير، وشرطها سلامة من عيب ينقص لحماً فلا تجزئ عجفاء ومجنونة ومقطوعة بعض إذن وذات عرج وعور ومرض وجرب بيِّن ولا يضر يسيرها ولا فقد قرون وكذا شق الإذن وخرقها في الأصح.
10- ومن خصوصيات هذا الشهر أنّ فيه أيام التشريق الثلاثة وهي أيام عيد أيضاً ولهذا بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ينادي بمكة: ((إنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل فلا يصومن أحد)) رواه أحمد في مسنده، فهي من الأيام التي يحرم صيامها، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المتقدم: ((إنها أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل)) وفي الحديث إشارة إلى أن الأكل في أيام الأعياد والشرب إنما يستعان به على ذكر الله تعالى وطاعته وذلك من تمام شكر النعمة أن يستعان بها على الطاعات، وقد أمر الله تعالى في كتابه بالأكل من الطيبات والشكر له، فمن استعان بنعم الله على معاصيه فقد كفر نعمة الله وبدَّلها كفراً وهو جديرٌ أن يسلبها كما قيل:
إذا كنت في نعمة فارعَها
فإن المعاصي تزيل النعم
وداوم عليها بشكر الإله
فشكر الإله يزيل النقم


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.