من يعرف مدينتا تريم وعدن وأهلهما الكرام، يجد في هاتين المدينتين قواسم مشتركة؛ فتريم حاضنة العلم والعلماء ومنها خرج قوافل الدعاة الذين نشروا الإسلام في شرق آسيا وشرق إفريقيا. وعدن حاضنة الحضارة والتقدم في شبه الجزيرة العربية في زمن مضى، عندما كانت صيحات الموضة وآخر نتاج الصناعة الغربية يُعرضان في حوانيتها. فحق القول إن تريم مدينة الإسلاموعدن مدينة السلام. وبين اللفظتين من التشابه ما يُغني معه إلى تطويل الحديث. ولا يقتصر التشابه بين المدينتين على الدور الحضاري والثقافي والتنويري للمدينتين كلتيهما أيضًا، هناك تشابه في الروح، ففي عدن وتريم يجد الإنسان الطمأنينة والسلام النفسي، ويرى في أهلهما سلا النفس والخاطر وروح الدعابة والانفتاح على الآخر بغير سؤال عن أصله أو منبته؛ فتجد في حواري المدينتين حكايات عن كل شيء، واهتمام لافت من السكان بعادات وتقاليد في المأكل والمشرب، وعاطفة في المناسبات الاجتماعية والدينية يلمسها الغريب وكذلك القريب الذي كلما ابتعد عن تريم وعدن يراهما تقتربان منه، حيثما ولّى وجهه يرى تريم كواحة غناء تسمو للسماء كسمو نخلها.
ويرى في عدن موجة من البحر تغسل جراحًا تركها الزمن والأحداث.
هما المدينتان اللتان أنجبتا الشعراء والأدباء (أحمد فضل القمندان محمد على لقمان، ولطفي جعفر أمان، ومحمد عبده غانم، ومحمد علي باشراحيل، وحداد بن حسن الكاف، أبوبكر سالم بلفقيه، ومحمد سعد عبدالله، وأحمد بن أحمد قاسم) وغيرهم كُثُر لا يحصون.
ومع كل ذلك الجمال والسمات الرائعة للمدينتين وأهلهما إلا أن المدينتين تشتركان أيضًا في المعاناة التي عصفت بالبلاد كلها. فالخدمات تراجعت إلى ما دون الأساسيات وأصبحت خدمات الحواري والحوافي في المدينتين قائمة على مبدأ التعاون الأهلي، في غياب الدور الرسمي، فتجد السكان يهتمون بالنظافة ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
ولا تقتصر معاناة السكان على غياب الخدمات، بل تجاوزتها إلى انقطاع المرتبات أو تلاشي قيمتها. وأصبحوا يعتمدون في حياتهم على ما يسد الرمق أو مساعدة من قريب مغترب أصبح عونًا لأهله في ظروف صعبة لا تكاد تُطاق.
هذا غيض من فيض، عن عدن وتريم، ولو أردتُ أن أحصي مناقبهما ومعاناتهما لاحتجت لأكثر مما ذكرت.
فعدن وتريم اللتان أعرفهما ستبقيان في ذاكرة العقل ومهوى الفؤاد، كلؤلؤتين تضيئان الجنوب من شرقه إلى غربه؛ فمنهما عِبر الماضي ومعاناة الحاضر وأمل المستقبل المعقود على أن تعودا لدورهما في حياتنا ومحيطنا.