- عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    الإنتقالي يرسل قوة امنية كبيرة الى يافع    "قديس شبح" يهدد سلام اليمن: الحوثيون يرفضون الحوار ويسعون للسيطرة    في اليوم 202 لحرب الإبادة على غزة.. 34305 شهيدا 77293 جريحا واستشهاد 141 صحفيا    "صفقة سرية" تُهدّد مستقبل اليمن: هل تُشعل حربًا جديدة في المنطقة؟..صحيفة مصرية تكشف مايجري    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    فشل عملية تحرير رجل أعمال في شبوة    إلا الزنداني!!    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    البحسني يشهد تدريبات لقوات النخبة الحضرمية والأمن    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    الشيخ الزنداني رفيق الثوار وإمام الدعاة (بورتريه)    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    مقدمة لفهم القبيلة في شبوة (1)    لابورتا يعلن رسميا بقاء تشافي حتى نهاية عقده    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    "جودو الإمارات" يحقق 4 ميداليات في بطولة آسيا    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    المجلس الانتقالي بشبوة يرفض قرار الخونجي حيدان بتعيين مسئول أمني    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    اشهر الجامعات الأوربية تستعين بخبرات بروفسيور يمني متخصص في مجال الأمن المعلوماتي    رئيس الاتحاد الدولي للسباحة يهنئ الخليفي بمناسبه انتخابه رئيسًا للاتحاد العربي    تضامن حضرموت يظفر بنقاط مباراته أمام النخبة ويترقب مواجهة منافسه أهلي الغيل على صراع البطاقة الثانية    سيئون تشهد تأبين فقيد العمل الانساني والاجتماعي والخيري / محمد سالم باسعيدة    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    اليونايتد يتخطى شيفيلد برباعية وليفربول يسقط امام ايفرتون في ديربي المدينة    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    لغزٌ يُحير الجميع: جثة مشنوقة في شبكة باص بحضرموت!(صورة)    رئيس كاك بنك يبعث برقية عزاء ومواساة لمحافظ لحج اللواء "أحمد عبدالله تركي" بوفاة نجله شايع    الخطوط الجوية اليمنية تصدر توضيحا هاما    مليشيا الحوثي تختطف 4 من موظفي مكتب النقل بالحديدة    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    الديوان الملكي السعودي: دخول خادم الحرمين الشريفين مستشفى الملك فيصل لإجراء فحوصات روتينية    صحيفة مصرية تكشف عن زيارة سرية للارياني إلى إسرائيل    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    مع الوثائق عملا بحق الرد    لحظة يازمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رموز الغناء اللحجي واليافعي
نشر في الجمهورية يوم 04 - 03 - 2007

عبدالقادر قائد : الأمير أحمد فضل بن علي العبدلي .. باني النهضة الفنية في لحج
من أهم الأسباب التي جعلت الأمير أحمد فضل القمندان يدرك أهمية الأغنية اللحجية ويفكر في بعثها وتجديدها:
1 أدرك وبحسه المرهف أنه أمام فن أصيل يجب العمل على جمعه وحفظه وتأصيله، فقد كان يرى ويسمع الكثير من الأغاني اللحجية تبدأ بالانتشار ولكن سرعان ماتتلاشى، الأمر الذي جعله يفكر في عملية تطويرها وتجديدها.
2 ظهور «الفونوغراف» أو صندوق الطرب أو كما يطلق عليه «بالقمبوص» رسخ فيه تصميمه على البدء بعملية التطوير أو التجديد للأغنية اللحجية، فقد استهوت الأغاني الوافدة المسجلة على الاسطوانات الكثير من شباب عدن فمنهم من كان يهوى الأغاني الهندية والبعض الآخر المصرية مماجعل القمندان يبدي نوعاً من التخوف من انتشارها وتأثيرها فالذي تتأثر به عدن تتأثر به لحج أيضاً.
من أجل ذلك كرس حياته لتحقيق هدفه الذي عانى من أجله الكثير ودفع الثمن غالياً من صحته فعمل على تطوير الأغنية اليمنية داخل لحج من حيث تجديدها وإدخال التواشيح واللوازم، وقام بتوشيح الشعر وجعل فيه لوازماً وتقفيلاً حيث يكون هناك توازن بين اللوزام والتواشيح من حيث اللحن وتغنى بمشاعر وأحاسيس الناس فازدهرت الأغنية اليمنية في لحج وذاع صيتها، وبالرغم من مركزه الاجتماعي فقد كان اجتماعياً في علاقاته يحب الاختلاط ومعايشة بسطاء الناس في المجتمع، ويدعوهم إلى منتداه الأدبي والفني ويقدم لهم كل ماعنده من جديد في الفكر والفن ويستمع إلى آرائهم وهمومهم ويعمل قدر الإمكان على معالجتها وتذليلها لهم، كما عُرف عنه مشاركة الفلاحين في أعمال الأرض والزراعة والجلوس معهم في أوقات الفراغ ومشاركتهم في مواسم الحصاد الغناء والرقص الجماعي، كل ذلك جعله عرضةً للكثير من الانتقادات والمضايقات المستمرة من بعض أفراد الأسرة ا لحاكمة وهدفاً للكثيرين ممن لم يطب لهم ذلك النجاح الذي تحقق ولا المكانة التي احتلتها الأغنية اللحجية بين بقية الألوان الغنائية اليمنية الأخرى، فقد حاربه محبو الأغنية الصنعانية والمصرية والهندية وكذا المتزمتون الذين مارسوا ضده كل الوسائل لمنعه من مواصلة مسعاه النبيل.
نكبر في القمندان هذه الصلابة..نكبر فيه تفانيه واخلاصه في سبيل تحقيق هدفه..نكبر فيه تضحياته في سبيل فنه..ألم يقل تلميحاً إلى تلك الموانع والعراقيل ماقاله شاعر دثينه الشعبي هيثم عوض:
هيثم عوض قال ليت الأرض في ودره
باسلي القلب مابا بات شيء مغبون
حتى ولا الناس باتلقي علي سمره
القلب ماطاع يقنع والهوى مسنون
الجاه والسلطان والسمعة..ليتهم جميعاً في ودره «أي في داهية»،يضحي بذلك كله في سبيل فنه الذي كان هواه وشاغله، نعم.. نكبر فيه هذا الإصرار على التضحية والمثابرة للوصول إلى غايته، هذه الكلمات قالها فيه الأستاذ/عبده عبدالكريم الذي كان رفيقاً له وشاهداً على عصره، ووردت في الدراسة التي قدمها في مهرجان القمندان الأول المنعقد في مدينة الحوطة محافظة لحج 27/30 نوفمبر 1988م وكانت بعنوان القمندان: قبس من ذكراه.
«والمتتبع لحياة القمندان يجد أن حياته كانت مزيجاً من المعاناة والكد والجد والنشاط وتغلغل حب بلده في نفسه والتي أبرزها كلها في أشعاره وأغانيه، وفي حدود هذه المعاني نورد هنا بعض ماجاء في كلمة ابن أخيه علي عبدالكريم التي ألقاها في حفل الأربعين على وفاة عمه القمندان حيث قال:« فهو كقائد..كان جندياً خشن المظهر قوي الشكيمة، شجاعاً مقداماً».
وهو كمؤرخ.. عرف بطلاوة الحديث واتساع الأفق الفكري يسرد الأحداث والبراهين ويورد الأحاديث والأدلة بعد الفحص والدراسة والتمحيص وبعد التدقيق في بحثها ومصادرها الحقيقية ولنا خير شاهد على ذلك الكتاب المعروف ب «هدية الزمن في أخبار ملوك لحج وعدن» الذي ألفه القمندان وتم طبعه في مصر على نفقته الخاصة والذي أصبح فيما بعد مرجع كل باحث ومؤرخاً يهتم بتاريخ جنوب الجزيرة العربية وهو كمزارع كثير الكد والدأب يقضي الساعات الطوال بين الحقول والبساتين والمشاتل مشمراً ساعديه، يتفقد هذه الشجرة، أو ينقل تلك النبتة ويغرس غيرها بما كان يجلبه من تقاوي وبذور زراعية جديدة من الخارج، كما يعطي إرشاداته في كيفية جني الثمار ومكافحة الآفات الضارة بالمزروعات وأشجار الفواكه وطرق ريها إضافة إلى لقاءاته المتوالية بالمزارعين لارشادهم وتوعيتهم ومدهم بالمعلومات الزراعية النافعة، وحثهم على تطبيق الطرق الصحيحة التي تساعد في تحسين الإنتاج الزراعي بكافة أنواعه، وهو كشاعر..سلس اللفظ متين الأسلوب رائع المعنى بديع التصوير، وشديد الحساسية، أحب الأرض وأحب قومه حباً جماً وقد عبر عن مصداقية هذا الحب في أكثر أشعاره التي جمعها في كتابه المسمى «المصدر المفيد في غناء لحج الجديد»..علماً بأن هناك بعضاً من أشعاره لم تسجل مع الأسف لأنها لم تجد من يهتم بجمعها والاحتفاظ بها خلال فترة مرضه من أولئك المقربين منه أو المحيطين به.. فضاعت نتيجة التواكل والإهمال، وهو كموسيقار.. مرهف الحس يطرب السامع ويبهج النفوس بموسيقى ألحانه التي تهفو إليها الأفئدة والأرواح والتي مازالت وستظل تتسم بذلك الطابع الشعبي بالرغم من التحريف الدخيل الذي يحلو لبعض الفنانين إدخاله سواءً عن قصد أو غير قصد على بعض من تلاحين القمندان حتى أفقدتها بكل أسف طابعها الشعبي الذي يميز أصالتها».
في الفترة التي نشأ فيها القمندان كانت بعض الأغاني اللحجية تغنى دون مصاحبة للآلات الموسيقية بينما يغنى البعض الآخر على الإيقاعات التقليدية وعلى نمط الرقصات الشعبية وأحياناً بمصاحبة بعض الآلات الشعبية المعروفة آنذاك مثل المزمار والسمسمسية «الطنبور» وعندما أدخلت بعض الآلاات الوترية إلى لحج ومنها العود الصنعاني،وقبل أن يظهر العود المصري أقبل الكثيرون على تعلمها وكان القمندان منهم، فتعلم العزف على العود وأجاده وتعلم عزف الأغاني الصنعانية والمحلية وبدأ في صياغة ألحانه العذبة من أصالة وروح التراث القديم نذكر منها:
ياذنبهم ذي ودفوا بي سافر، ولحن يامن يبا عند عيشه يطرح الألفين
وقد ألف كلمات جديدة ركبها على ألحان فلكلورية شائعة كثيرة منها:
من علمك ياقلبي، معي جاهل وفي ساعدة قش،بالي من الزين نظره،يومي هنا ليلي هنا وأنسنا دايم يطيب، ياغصن في البستان شبه الضيمران.
في عام 1974م قامت مجموعة من أدباء وشعراء لحج البارزين بتقديم دراسة إلى المؤتمر العام الأول للأدب الشعبي في الحوطة عن أحوال الغناء في لحج قبل ظهور القمندان ومماجاء في الدراسة: تلك الفترة أخذت على عاتقها بجد شكل ومضمون الفن في البداية ومحاولة المطربين حينها تكريس جهودهم لتعليم أنفسهم العزف على العود أسوة باخوانهم في شمال الوطن، فبدأ الفنان في محافظة لحج «الحوطة» يغني الأغاني الصنعانية والتي كانت رائجة في ذلك الوقت فطور المطرب هادي سبيت النوبي عزفه على العود واستمر يحيى الحفلات «حفلات الزواج والمقايل والسهرات إلى أن لقي ربه وعاش بعده صالح الظاهري وصالح عيسى، وإن كان الأخير يعمل عازفاً في فرقة الموسيقى العسكرية، وكذا المطرب أحمد قاسم «والد المطرب أنور أحمد قاسم» في الشيخ عثمان، كما عاش في تلك الفترة فضل ماطر «باجبل» الشاعر والملحن والمغني الذي ابتكر أول الألحان اللحجية الغنائية والمعروفة بدان ياطير كف النياح ودان يامرحباً بالهاشمي.
أما مؤلفا كتاب «فضل محمد اللحجي حياته وفنه» أحمد صالح عيسى وصالح نصيب فقد أضافا مايلي:« وفي عصر ماقبل القمندان كانت الأغنية اللحجية تغنى على نمط الرقصات الشعبية «الفكلور الشعبي: الرزحة، الدحفة، الدمندم الشرح الزفة رقصة الحناء، وكانت تلك الرقصات الشعبية تؤدى على آلات الطبول المعروفة بالهاجر والمراويس وآلة المزمار والسمسمية «الطنبور» وإن كانت بعض هذه الآلات قد اختفت في الوقت الحاضر، كما أن هناك أغانٍ للنساء كن يؤدينها أثناء اقامة حفلات الزواج الخاصة بهن وأكثرها تشبه المركح ولانراها إلا جاءت من العائدين من اندونيسيا وأكثريتهم من أبناء حضرموت وتسمى في حضرموت «الزفين» كماهو الحال في كثير من الايقاعات الدخيلة المستخدمة في الرقصات والأغاني اللحجية، وفي الندوة التي عقدت بمناسبة مهرجان القمندان الأول 1988م تطرق الاخوة عمر السقاف ومحمد عبدالقيوم إلى موضوع يتعلق بالإيقاعات ذات الأصول الأفريقية المستخدمة في كثير من الرقصات والأغاني اللحجية وطرحا سؤالاً على الأستاذ/عبده عبدالكريم جاء على النحو التالي:« هناك ظاهرة في الغناء اللحجي وخصوصاً في أغاني أحمد فضل القمندان وهي أن بعض هذه الأغاني بإيقاعاتها تنقلك في بعض الأحيان دفعة واحدة إلى أفريقيا وإلى الغابات في أدغال أفريقيا كيف وصلت إلينا تلك الأغاني والإيقاعات؟ فأجاب الأستاذ عبده عبدالكريم قائلاً: أما سؤال الإخوة عمر السقاف ومحمد عبدالقيوم عن اللون الأفريقي الذي ظهر في الأغنية اللحجية، فألفت انتباههم إلى أن بيننا وبين أفريقيا سواحل مشتركة وشواطئ قريبة بعضها من بعض وعندنا كثير من الأفريقيين الساكنين والذي نسميهم بالعبيد وفيهم من نسميهم بالحجور، هؤلاء لهم أصلهم ولهم مكانتهم داخل بلادهم ولهم أغانيهم ورقصاتهم، امتزجوا معنا وامتزجنا معهم وأصبحوا منا وأصبحنا منهم فلا غرابة أن تكون أغانينا قد أخذت من بعض إيقاعاتهم.
ومماجاء في كتاب أحمد صالح عيسى وصالح نصيب أيضاً مايلي:
«وقد ظهر في فترة القمندان الشاعر والمغني فضل ماطر وهو من الشعراء الذين عاصروا القمندان وسبقوه إلى قول الشعر على ألحان فلكلورية شعبية من ألحان الرقصات الشعبية إضافة إلى وجود «ابن درينه» فقد كان يجيد الغناء وكثيراً ماكان يصل صوتهما نفاذاً إلى مسامع القمندان خصوصاً في أوقات السحر، فقد كان ابن درينة مغنياً فقط عكس زميله فضل ماطر الذي كان شاعراً ومغنياً أيضاً».
بذل القمندان جهوداً كبيرة ومحاولات متكررة أملاً في تأسيس فرقة موسيقية يستطيع من خلالها ابراز مايقوم به من تطوير وتجديد للأغاني اللحجية ونشرها بين أوساط الناس في المناسبات، من تلك المحاولات تقديمه الدعوة للمطرب هادي سبيت النوبي أحد أشهر المطربين في لحج آنذاك والذي لم يقبلها بسبب ظروفه الخاصة، أما الآخرون مثل صالح الظاهري وسعد عبدالله صالح فإنه لم يستشف فيهما ميلاً قوياً لمساعدته على بلوغ مرامه، الأمر الذي اضطره إلى مواصلة البحث عن ضالته المنشودة لأكثر من عشرين سنة حتى كاد أن ييأس من ذلك، وأخيراً وبعد مضي كل تلك السنوات وجد ماكان يبحث عنه فتجدد عنده الأمل والعزم في تأسيس الفرقة عندما علم أن الحاج محمد جبلي لديه ولد اسمه فضل يعزف على العود ويمتاز بصوت جميل وعندما أرسل القمندان يطلب حضور الوالد ليسأله عن حقيقة ماسمعه عن فضل ويعرض عليه بأن يكون عنده مطرباً تم له ماأراد فقد وافق الحاج محمد جبلي على عرض القمندان بعدها احتاج إلى عازفين آخرين فاستدعى مسعد أحمد حسين وأولاد طفش وهكذا تشكلت الفرقة الموسيقية وتحقق للقمندان ماكان يتمناه.
أما طريقته في التلحين فكانت على النحو التالي:
دانه على الدانه يادان يادانه
يادان يادانه دانه على الدانه
فالقمندان لم يتعلم كتابة وقراءة النوتة الموسيقية، يقول الشاعر والملحن رفيق درب القمندان الأمير عبده عبدالكريم ومع ذلك يضع اللحن ويكتبه على تلك الطريقة، وبمثل هذا الدان كان يغني اللحن الجديد ويحفظه للعازفين نغماً بصوته، وعندما يرسخ اللحن ويثبت حفظه عند العازفين يبدأ ي تأليف كلمات الأغنية.
وللقمندان طرق وأساليب مختلفة في التطوير والتجديد نورد منها مثالاً حياً:
ورد في كتاب فضل محمد اللحجي حياته وفنه «تأليف أحمد صالح عيسى وصالح نصيب» عن دور فضل محمد في لحن وأبو زيد مايلي:
لقد كانت أغنية «وأبو زيد يامسلي على خاطري» من الأغاني التي أديت على رقصة «الرزحة» وكانت تغنى بطريقة ووتيرة واحدة فقد كان الهاجر يقرع قرعة واحدة عدة مرات لضبط الايقاع بينما يهمهم المغني على نفس القرعة الواحدة للطبلة، وبعدها يفكر القمندان ويطلب من نغمة العود أن تحل محل الطبلة في ضبط الإيقاع ثم يحاول أن يعزفها فلا يستطيع، وهنا لابد من أن يضايق تلميذه فضل فيعرض عليه الفكرة ويؤتى بالطبل «الهاجر» وبالخبير ليضربها وكان القمندان قد قرر أن يسلم بالهزيمة إذا لم يستجب له طبع فضل محمد فيحقق له مايريده من تجديد، وكان التسليم حظ القمندان فيترك فضل ويذهب لينام، وحين يستولى عليه النوم العميق يكون طبع فضل العنيد قد أتى بالنغمة على غير ماكان يريدها أستاذه، كان ذلك في الساعة الواحدة والنصف صباحاً، فيجافي أحمد فضل مضجعه عند سماعه العزف فقد اكتشف أن عازف العود فضل قد وضع سبابته على الوتر الأول ويراجع بالوتر الثالث من غير تصبيع ليحل العود محل الهاجر في نفس النغمة.
ويأبى القمندان إلا أن يطور هذا اللحن كلمة ولحنا فأعاد صياغة لحنها وإيقاعها مضيفاً إلى أغنية «وأبو زيد» توشيحاً ولازمة وتقفيلاً.
المطرب فضل محمد اللحجي
ولد فضل محمد اللحجي في مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج في عام 1922م تقريباً لأسرة فقيرة ولأم لحجية تدعى «زمزم بنت عوض» ومن أب يدعى «محمد عبدالله السالمي» المعروف ب«محمد جبلي» وهو من قرية في شمال الوطن تسمى «خدير السالمي» والتي انسلخت منها قبيلة لسلوم التي سكنت قرية عبر لسلوم وسميت القرية باسمها «قرية عبر لسلوم» وكان والده قد تزوج بأمه بعد أن تزوجت من رجل آخر أنجبت له ولدين وبنتاً هما: سالم حسين بخيت وناصر حسين بخيت الملقب «العنكبوت» وبنت توفيت في ربيع عمرها دون زواج وقد أنجب منها محمد جبلي ولدين هما: علي محمد جبلي والمطرب فضل محمد «الذي نحن بصدده» ثم تزوج محمد جبلي بزوجة أخرى من قرية الصمصام إحدى قرى لحج تسمى «كاتبة» أنجبت له ولداً أسماه «مهدي» أخ فضل لأبيه، ثم تزوج والده بأخرى تدعى «زمزم» أنجبت له ولدين وبنت وهم: محمود وعبدالرقيب وزمزم إخوان فضل لأبيه، وقد كان والده خياطاً ومعلماً لمبادئ القراءة والكتابة وتدريس القرآن الكريم حيث تتلمذ على يد أبيه فضل محمد وكذا أولاده الآخرون ويقال أن والده كان يعزف على آلة العود القديم بطريقة بدائية ومن المرجح أن فضل قد تعلم مبادئ العزف على العود على يد والده، كما تعلم مبادئ القراءة والكتابة مع بقية من تتلمذوا على يد والده.
يقال: أنه في إحدى الليالي كان فضل قد صعد إلى الطابق العلوي لمنزلهم وبات يغني أغاني قديمة وغير مرتبة وعندما سمعه والده قطع على نفسه عهداً بشراء عود لفضل وقد كان، وكان يستأجر له والده في بعض الأحيان آلة الحاكي «القنبوس» ليستمع إليه فضل وليقلد الأغاني المصرية واليمنية، وعندما يدور الحوار بينه وبين والده يحدث إزعاج لبعض الجيران بسبب مخاواة وضبط الأوتار التي يشتد بسببها النزاع بين فضل ووالده حتى منتصف الليل.
ولما بلغ فضل سن العاشرة بدأ يعزف على آلة العود القديم هو ومجموعة من أترابه في عمر ماقبل الشباب «يافع» وكان صوته جميلاً حيث ظهر في السيباط الذي كان يقام لولي الله «مزاحم بن أحمد ذو الجفار» في شهر رجب من كل عام بمدينة الحوطة، وهو مؤسس حوطة لحج والتي سميت فيما بعد باسمه، وكان يلتقي بالمطرب مسعد بن أحمد حسين في ذلك السيباط ليشاركوا زوار الولي القادمين من أحور محافظة أبين وبقية القادمين من قرى لحج المجاورة وكان فضل يعزف ويغني مع زملائه في تلك المناسبات حسب التقاليد والعادات السابقة حتى الصباح، ومن الأغاني التي كان يرددها فضل وأترابه في المساء، ياطير كف النياح، ليه الشجن ياخاطري، بألحان مختلفة من الألحان الفلكلورية وحتى أغنية صابر على عهدي وباموت لأحمد فضل القمندان، كانت هي أول أغنية تدرب عليها بالعزف على الرباب «الكمنجة» حيث كان لهذه الأغنية تقفيلين أحدهما «صابر على عهدي وباموت» ثم يعيد المغني الشطر الأخير من اللحن فيأتي التقفيل الثاني «خلاك يازين خلاك» كما أن فضل كان يردد أيضاً أغنية كان قد سجلها فضل ماطر قديماً في الإسطوانات يقول مطلعها:
كل ماجيت شوفك
جيت والباب مردود
من أبياتها: بديت بك ياإلهي ياخالق البيض والسود
وكان قد ظهر في ذلك الحين المطرب المرحوم صالح الظاهري حيث كان عازفاً على العود ويقال أن فضل كان يذهب إليه في الأماكن التي كان يحيى فيها ذلك المطرب مقايله وسمراته ليقتبس منه طريقة العزف على العود حيث كان فضل معجباً بعزف المطرب الظاهري الذي يطرب له كل السامعين ومنه تعلم براعة العزف على العود حيث تنبأ له الظاهري بمستقبل زاهر في عالم الطرب والغناء.
في تلك الفترة أتى من يقول لأحمد فضل القمندان أن طفلين يكونان أعجوبة في تقارب صوتيهما هما: مسعد بن أحمد حسين وفضل محمد جبلي، وهناك كان لأحمد فضل أن لايقف حائراً بين انتقاد الناس وتطاولهم عليه وبين تطوير الفن بواسطة الصوت الحسن والعزف المتقن، ثم بواسطة هذا التطور تبين للناس أنهم قد أخطأوا وأن من واجبهم أن يعتذروا ويرجعوا إلى الحق وجيء بالطفلين الأول ضعيف البنية والآخر قوي إلا أن جفنيه ملتهبتان نزعت جلدتهما وأهدابهما وكان عليه أن يهتم بمعالجتهما أولاً وقبل كل شيء فأما الأول فما أن بدأ استعمال الدواء إلا وكان قد عوفي وشفي وأما الثاني فبقدر ماخلد أحمد فضل وخلده أحمد فضل، كان العلاج من جميع النواحي منهكاً للإثنين، فهو غير مستعد للصبر على العلاج فكان هو مصاب التراخوما وعلاجها في تلك الأيام صعب، ثم هو أيضاً فوق هذا وذاك غير مستعد لأن يستمر في مواصلة القراءة والكتابة وإن كان قد تعلم على يد والده مبادئ القراءة والكتابة فلم تنفع معه حيلة إلا عزف العود فما أسرع ماتدرب عليه لأنه كان يقال ما أن بلغ السابعة من عمره إلا والسمسمية في يده يعزف ويغني إلى أن وصل علمه إلى القمندان، أما حفظ اللحن فلزميله السبق ولاشك لأنه خال من عقدة كره الصبر على حفظ أي شيء عكس زميله فضل، وأما حفظ الكلمات فلابد من تأديب فضل أما بمنع الفطور عنه أو العشاء أو ماكان يتناوله عصراً لأجل الفسحة فإن لم يجد هذا ولاذاك فالعتاب المر اللاذع فالضرب أخيراً يتبعه الإسترضاء والأخذ بالخاطر، وكم حاول فضل الهروب ولكن إلى أين؟؟؟
إن أهله وجميع من يلوذون به يعاتبونه أيضاً مر العتاب على موقفه هذا، فالرجل لايريد له إلا الخير، يريد أن يبرزه وأن يجعل منه مطرباً بالمعنى الصحيح، فيضطر إلى الرجوع إذا كان القمندان قد تركه لحاله بعض الوقت ولم يرسل له أي رسول إليه ويمنع كل من يفتح له باب إرجاع فضل بل كان يقول للجميع: إن لم يفهم فضل قصدي بمفاهيم طبيعية فسأفشل في إبرازه كما أتمنى أن أبرزه.
وقد كان ذلك.. لقد فهم فضل أن أستاذه ومربيه لايفضل زميله عليه وإن فضله فلمميزات فيه يفتقر إليها فضل، وإن كان قد يتبادر إلى ذهن فضل أن زميله أيضاً لايوحي صوته ولاعزفه على العود بما يوحي به صوته وعزفه إلى أستاذه ومربيه فليس معنى هذا أن له الحق أن يتمرد، وبعد تجارب طويلة أجريت لهما ومتاعب شديدة قاساها منهما ذلك المخرج الفني لتلميذيه قدمهما في أغنية مشتركة بصوتيهما سجلت على إحدى الاسطوانات وكانت «هيثم عوض قال».
هنا يظهر للقمندان أيضاً أن المسألة ليست مسألة تهيب أو تخوف من فضل وإنما تغير أسلوب الحياة هو الذي جعل فضل يعزف عن مواصلة الغناء، ثم إن وصول نغمة العود إلى سمعه وهو يعزف تلك النغمة التي تزداد تطوراً حيناً بعد حين شغلته عن أن يغني.
إذن: فليس في وسع القمندان إلا أن يجلب له من الاسطوانات الشيء الكثير وأكثرها مما يعزف على العود المنفرد فقط، ويبدأ فضل حياته الفنية مع العود لاغير وتخصص له عزفة خاصة به ويصدر الأمر إلى من في المنتدى أن لايصل إلى فضل أحد إلا إذا طلب هو نفسه وصول أي شخص إليه ومع ذلك كله فإن فضل يؤلم أستاذه كل الإيلام حين يكون عنده بعض الضيوف ويطلب منه أن يعزف بالعود باش الوجه أو حتى ليدخل السرور إلى نفوس الموجودين، ولكنه لم يعد للتمثيل، وأنى له أن يجيده أو حتى يتكلفه، فيذهب الضيوف ويحتار القمندان في طريقة معاقبته ويعطيه رخصة ليذهب إلى أهله في نفس لحج عدة أيام.
وإذا بصوت فضل في الليلة الأولى يصل إلى مسامع أستاذه قوياً نفاذاً فيفهم أستاذه أن تلميذه يعيد مابدأ أستاذه حياته به فيعيده إلى المنتدى ومعه زملاؤه الذين كان يغني معهم سابقاً أثناء الليل وأطراف النهار في كل حارة وزقاق، ويهيئ لفضل جوه الخاص ويكون نواة لفرقة أحمد فضل القمندان الموسيقية.
فضل محمد اللحجي والمسرح
لقد شهدت لحج حركة مسرحية في الأربعينيات حيث أسست فرقتان للتمثيل هما: الفرقة القومية وفرقة العروبة للتمثيل وقد ضمت هاتان الفرقتان عدداً من أبناء لحج مابين مخرج وممثل وملحن وعازف ومغن، وكان من بين من أسهموا في تلك النهضة المسرحية في ذلك الحين المطرب «فضل محمد اللحجي» وكان فضل أحد الأعضاء المؤسسين للفرقة القومية للتمثيل وقد ساهم بجهد كبير في إنجاح المسرحيات التي عرضت حينذاك ممثلاً وملحناً ومغنياً.
وكانت أول مسرحية ظهر فيها فضل مطرباً وممثلاً هي مسرحية «في سبيل التاج» التي قدمت على مسرح الفرقة القومية للتمثيل وكان دوره في تلك المسرحية دور «جاسوس تركي يتجول متنكراً بصورة عازف على الكمان» وكان اللحن الأول لفضل هو نشيد «بلادنا نحبها كلمات القمندان» وقد اتخذته الفرقة نشيداً لفتح الستار في مقدمة كل مسرحية تقول أبيات النشيد:
بلادنا نحبها لحج وواديها تبن
فيها الجناحين بيزج وفالج رب اسقها حتى عدن
لحج الهنا تبن الرخاء لله درك من وطن
بالروح نفديك وهل لك أيها الوادي ثمن
إجري كما تهوى فإن الرعد فوق الحيد حن
واسقي العبادل ياتبن أما عسل وإلا لبن
يالحج أنت غرة الدنيا ويعسوب اليمن
ثم أنضم فضل محمد كعضو في فرقة العروبة للتمثيل بالحوطة.. ذلك المسرح الذي قدم عدداً من المسرحيات التاريخية تحت عدد من العناوين مثل: شهامة العرب، المروءة والوفاء، صلاح الدين الأيوبي، الشعب والقيصر، القيروان، وغيرهما غير أن فضلاً من خلال عضويته في تلك الفرقة لم يضع ألحاناً لقصائد تلك المسرحيات عدا تحمله لدور «شيطان قيس» في مسرحية قصيرة بعنوان «قيس وليلى».
وتقضي المنية بوفاة القمندان في الساعة السادسة من مساء غرة شعبان 1362ه وكان لموت القمندان تأثيراً بالغاً في نفسية فضل، فقد أستولت الصدمة على مشاعره وعصفت بها راساً على عقب وبكى فضل بكاءً شديداً وتقاذفته أمواج الحرمان والضياع وظلت تقذف به من شاطئ إلى آخر.
لقد ظل مطربناً ولفترة باك حزين لفقد أعز مايملكه في حياته ولمن تعهده ورباه فنياً وسهر على علاجه من المرض الذي ألم بعينيه طوال فترة من الزمن، ولم يجد فضل محمد مصدراً للقمة العيش بعد فقده لأستاذه ومربيه ومن حظي برعايته سوى احترافه للفن، فبدأ يحيى حفلات الزواج «المخادر» مع مجموعة من المطربين الناشئين آنذاك وعلى رأسهم المطرب صالح يوسف الزبيدي شقيق المطرب المعروف أحمد يوسف الزبيدي وهادي سعد سالم وغيرهم من ضاربي الرق والإيقاع ومنهم علي محمد الهرو الملقب «الوز».
ومن المطربين المعاصرين الذين شاركوه في إحياء المخادر في لحج وعدن حيث كان يتقابل في المخدرة أكثر من فرقة فنية يترأسها عازف العود، نذكر من أولئك المطربين الذين عاصرهم فضل:
عوض عبدالله المسلمي ومحمد جمعه خان وعلي عوض الجراش وصالح العنتري وأحمد عبيد قعطبي وعمر محفوظ غابه والشيخ علي أبوبكر باشراحيل والمطرب علوي والد المطرب فيصل علوي ومحمد سعد الصنعاني ومحمد علي الدباشي وفرقة كويتية كانت تقيم في مدينة الشيخ عثمان.
فضل والندوات الموسيقية في لحج
الندوة اللحجية الموسيقية:
في عام 1955م شكلت الندوة اللحجية الموسيقية وكان أحد الداعين لتأسيسها عبده عبدالكريم وانضم اليها الفنان صلاح ناصر كرد والشاعر الملحن محمود علي السلامي والفنان أحمد يوسف الزبيدي وضارب الإيقاع حسين محمد حسن ناجي وغيرهم.
وقد استدعي الفنان فضل محمد للمشاركة فيها واستمرت عضويته في تلك الندوة بعض الوقت، غير أن الندوة استمرت لفترة بسيطة أخفقت بعدها، فقد تركها فضل كما تركها الآخرون.
ندوة الجنوب الموسيقية الأولى:
لقد شهدت حركات التحرر العربية نضالات ثورية توجت بثورة مصر في عام 1952م، تلك الثورة التي احتضنت الثورات العربية اللاحقة ومنها ثورة «المليون شهيد» بالجزائر التي إنطلق ماردها في عام 1954م، وخلال تطور مراحل الثورة في العالم العربي كانت ثورة «أوراس الجزائر المسلحة» هي التي ألهبت شعور الجماهير العربية، وكان فنانو اليمن في الشطر الجنوبي آنذاك قد بلغت بهم ذروة الحس الوطني والقومي إلى حد لايقاس وجمعت التبرعات في كل البلاد العربية للمجاهدين في الجزائر وسخر الفنانون في لحج أدبهم وفنهم في الحفلات التي كان ريعها لصالح جبهة التحرير الجزائرية، ففي عام 1957م أسس شاعرنا الكبير الأستاذ عبدالله هادي سبيت ندوة الجنوب الموسيقية من مجموعة كبيرة من الفنانين والعازفين والمغنيين والتي بدأت باحياء تلك الحفلات، وكان فضل أول من لبى دعوة الأستاذ سبيت لانضمامه إلى الندوة حيث شارك في حفلات الجزائر التبرعية التي شهدتها مدينة لحج وعدن ودار سعد كعازف على الكمان الذي كان من أبرع العازفين عليه، وتلك الحفلات التي شهدت عدداً من الأناشيد الوطنية منها:
أشرقي ياشمس من أرض العروبة
إنها أرض الجلال
و: ياشاكي السلاح شوف الفجر لاح
و: ألا ليت لي موته على أرض الجزائر لعبدالله هادي سبيت
و: لله درك يا الجزائر ألف در لعلي عوض مغلس
و:أخي في الجزائر ياعربي
تحدى فرنسا ولاتهب
لصالح نصيب
وعدد من الأغاني العاطفية: سألت العين، ويا باهي الجبين، ياربيب الحب، ليه ياهذا الجميل، زمان والله زمان وغيرها.
يحيى عمر «أبو معجب» والغناء اليمني المعروف باليافعي
سمي بهذا الاسم نسبة إلى منطقة يافع إحدى مديريات محافظة لحج القريبة من محافظة عدن والمعروفة بحدة إيقاع أغانيها،وخفتها،حيث أن معظم الألحان اليمنية اليافعية مبنية على إيقاع رقصة البرع المعروفة بخفة الحركة، وإذا عدنا إلى صانع تلك الألحان نجد أن مؤشرات التاريخ تتجه إلى الشاعر والملحن والمغني المطرب يحيى عمر اليافعي ولقبه «أبو معجب » وينتسب إلى يافع بن رعيني الحميري ويعرف أيضاً بيحيى عمر بن مهدي الجمالي اليافعي، ونسبه إلى الجمالي جاء في قوله على لسان المطرب الراحل عوض عبدالله المسلمي:
يارب سألك بمن أركانه أربع.
قال الجمالي مفارق لي سنين أربع.
أما المؤرخ اليمني الراحل محمد عبدالقادر بامطرف فقد كتب عنه في كتابه «الجامع» الجزء الرابع ص 254، 255 مايلي: يحيى عمر اليافعي «معجب» : شاعر شعبي غزل ذو شهرة واسعة في اليمن والجزيرة العربية من يافع إلى حضرموت، قضى فترة من حياته في صنعاء ثم هاجر إلى الهند حيث زار حيدر أباد «الدكن» «ومدراس وكلكته» ثم عاد إلى ولاية «بروده» الهندية وكانت بها جالية يمنية كبيرة من أهالي حضرموت، فاستقر بها وتزوج، وتذكر الروايات المحلية أنه عاش في القرن الحادي عشر الهجري، بعض قصائده تغنى إلى اليوم مسجلة على اسطوانات وأشرطة وشهرته على كل لسان في اليمن، توفى في ولاية «بروده» الهندية وانقطع عقبه، لايعرف إلى أي البطون اليافعية الحميرية ينتمي، إنما يقال أنه من آل الشيخ علي آل هرهرة، شعره سلس وجذاب ورقيق، له «ديوان شعر» إطلعت عليه مع المطرب العدني إبراهيم محمد الماس.. إنتهى ماجاء عنه في الجامع.
الجدير بالذكر أن الأخ الصديق الدكتور نزار غانم كان قد كتب مقالاً على شرف مهرجانه الأول تحت عنوان «يحيى عمر بين الحقيقة والخيال» نشرها في صحيفة «الثورة» العام 1992م، ومما جاء في هذا المقال: يقول الفنان اليمني محمد صالح الحضرمي في حوار أجراه معه الصديق رياض شمسان في صحيفة الثورة في تاريخ 3/8/1984م أنه توفى في مسقط رأسه يافع وأن ديوانه الموجود لدى إبراهيم الماس مكتوب بخط قلم يحيى عمر ويقع في 400 صفحة ولكنه بيع بالمزاد العلني بعد وفاة الماس.
ويقول المؤرخ حسن صالح شهاب في دراسة له بعنوان «الغزل في الأغنية اليمنية» أن يحيى عمر ربما يكون نفس الفنان المعروف بابن جعدان والذي يتردد اسمه هو الآخر في مطلع بعض الأغاني كما يذكر أن المطرب عمر سعيد مهدي باذيبان كان يحتفظ بمطخوطة فنية تجمع أشعار يحيي عمر وكذلك الفنان ابن هرهرة ولكنها انتقلت منه في عام 1942م إلى مكتبة الفاتيكان بروما وقد وقفت على هذه المخطوطة من الأمبروزيانا كما يقول المؤرخ حسن صالح شهاب، فوجدتها فقيرة حقاً كما أنها لاتحتوي أشعاراً ليحيى عمر فقط وإنما كوكتيلاً من الأغاني الصنعانية.
كذلك نجد إشارات إلى يحيى عمر فيما كتبه صلاح البكري في كتابه «تاريخ حضرموت السياسي» ونجد بعض قصائده منشورة من قبل المستشرق السويدي الراحل الكونت كارلودي لاند برج كما ذكر المؤرخ الدكتور/محمد عبدالقادر بافقيه في كتابه «المستشرقون وآثار اليمن».
يبدو أن المصادر المختلفة تتفق على أن يحيى عمر قد عاش في الهند وإن لم يتوف فيها كما ذكر بامطرف في الجامع، ويقول الدكتور/نزار غانم في مقاله الآنف الذكر أنه وقف شخصياً على مقالة كتبها عنه المستشرق دي سي فيلوت بالاشتراك مع المستشرق الانجليزي أزو في العدد العاشر في المجلد الثالث بتاريخ ديسمبر 1907م من المجلة الصادرة عن الجمعية الآسيوية، في البنغال بالهند تحت عنوان «بعض القصص الشعبية من حضرموت» حكاية «يحيى عمر» المقنبس «1» وقد حكت هذه المقالة الطريفة أن يحيى عمر خلال مغامراته العاطفية في الهند التي بدأها في بروده ثم تنقل بين كلكتا ومدراس وحيدر أباد، كاد أن يتزوج ابنته دون أن يدري أو تدري لو لم تتدخل الأقدار في مدينة بروده الهندية وتوقف هذا الزواج كذلك نشرت نفس هذه المجلة بعض حكايات يحيى عمر وذلك في العام 1906م. أما المستشرق البريطاني البروفسور روبرت سارجنت فقد أورد في كتابه «نثر وشعر من حضرموت» والذي ترجمه الصحفي سعيد محمد دحي مقطوعة شعرية ليحيى عمر بالأرادو عربية:
بعد الآن يحيى عمر شل الدان
في الفتان هندي ملك هند ستان
مايهتان.. لله من ذا الهندي
حاضر باش هندي برابر شاباش
مثل الشاش أبيض منقرش نقراش
عقلي طاش مسكين أنا ما جهدي
وهذه الأغنية اليافعية أيضاً والتي وردت في كتاب الكاتب الأستاذ علوي عبدالله طاهر «لطفي أمان.. دراسة وتاريخ»
يحيى عمر قال أمانة ياهنود
قولوا لنا بنت من ذي الهندية
كذلك أشار الكاتب الأستاذ/خالد صوري في كتابه «خليل محمد خليل حياته وفنه وعصره» أن أغنيات يحيى عمر كانت من أول ماحاكاه الفنان خليل محمد خليل مثل:
يحيى عمر قال قف يازين
يامركب الهند يابو دقلين
اسعى بك البر والبحرين
سالك بمن كحل أعيانك
ياليتني كنت ربانك
واحمل المال في خانك
وعن أغنيات يحيي عمر في الخليج العربي فإن كثيراً من الأصوات الخليجية تبدأ بقولهم.. قال بو معجب.. قال اليافعي.. قال يحيى عمر، والذين استمعوا إلى برنامج «بين أغنيتين» من إذاعة البرنامج الأول والذي كان يقدمه الدكتور/نزار غانم عامي 1986م و 1987م تمكنوا من الاستماع إلى اللحن الخليجي على قالب الصوت لنصوص يحيى عمر، فأغنية «يحيى عمر قال قف يازين» لحنت بطريقة الصوت يحيى عمر، والمنصف بهذه التسمية ضمن قوالب الغناء الكويتي إيقاعياً.
سجلت أول الأمر بصوت المطرب البحريني الراحل ضاحي بن وليد ثم سجلت على طريقة الصوت «الخيالي» بصوت المطرب العماني الراحل سالم راشد الصوري.
ويرى الدكتور/ يوسف فرحان دوخي في كتابه« الأغاني الكويتية» أن الصوت ليس إلا الهزج اليمني الذي ذهب إليه أهل اليمن للرقص عليه أثناء الزفاف على ظهور الخيل.
مثل: الحمد لمن قدر خيراً وقبالاً.
ومثل: كلما أنشد حاويهم وغنى.
قائمة بأهم قصائد يحيى عمر التي لحنها وغناها الخليجيون كما وردت في مقال الدكتور/نزار غانم الآنف الذكر.
صوت:
يقول بو معجب نهار الأحد
يحيي عمر قال ما شأن المليح
يحيي عمر قال قف يازين
غناء عوض دوخي
طلال المداح
ضاحي بن وليد/سالم راشد الصوري
محمود حلواني /محمد عبده
يحيى عمر قال في البندر سكن وجدي ابن الساحل العماني
يا الله يامن على العرش اعتليت إبراهيم حبيب
وهذه الأخيرة غنت كصوت شامي أي على إيقاع « »
تسجيلات أغانيه :
أول من سجل له هو الفنان المغمور سيد محمد اليمني وذلك على آلة القنبوس في مبنى الممثلية الهولندية في جده بالحجاز في مطلع القرن العشرين وباسطوانات شمعية على فونغراف أديسون وقامت شركة أوديون بالتسجيلات التالية عام 1938م.
يحيى عمر قال خلي الحال مجهول
يحيى عمر قال ماشان المليح
يا الله يامن على العرش اعتليت
يارب سألك بمن أركانه أربع
غناء: إبراهيم الماس.
غناء: عمر محفوظ غابه.
غناء:عمر محفوظ غابه.
غناء: عمر محفوظ غابه.
أما شركة التاج العدني فقد سجلت له عام 1939م هذه الأغنية
يقول يحيى عمر من كم هذا العسل نشتري قفله
غناء المرحوم أحمد عوض الجراش وغناها كذلك المطرب عوض عبدالله المسلمي وسجلها لإذاعة عدن البرنامج الثاني 1969م بمصاحبة الفرقة الموسيقية الحديثة آنذاك كذلك سجلت أغنياته مجموعة اسطوانات البحرين.
أنظر كاتلوج هلال العيد ص 3.
الفنان /أنور أحمد قاسم
من مواليد مدينة الشيخ عثمان محافظة عدن نشأ وترعرع في بيئة فنية عريقة،فقد كان والده أحمد قاسم مطرباً ذائع الصيت ويعد من أساطين الطرب في زمانه لإجادته كافة الألوان الغنائية اليمنية القديمة وكان أخوه محفوظ أحمد قاسم أيضاً من أبرز ضاربي الإيقاع في عدن.
كان الفتى أنور ملازماً لوالده مواظباً على حضور مجالس القات وحفلات الأعراس فكان ذلك عاملاً مساعداً وفرصة سانحة أتاحت له التعرف على طرق وأساليب الغناء اليمني القديم والإرتواء بالنغم الشعبي الأصيل وتعلم العزف على آلة العود،وبعد مرور فترة قصيرة أصبح أنور أحمد قاسم من أكفأ العازفين على آلة العود القديمة والحديثة وحافظاً لتراثنا اليمني بكل ألوانه كما كان حافظاً لعدد كبير من الأغاني المصرية والهندية.
تأثر كثيراً بالفنان أحمد عبيد قعطبي في أسلوب العزف على آلة السمسمية والكمان حيث كان أحد أعضاء الفرقة الموسيقية الحديثة آنذاك.
قدم الفنان أنور أحمد قاسم والدكتور/محمد عبده غانم عندما كان يعد أطروحته لرسالة الدكتوراه في الغناء الصنعاني «نماذج من الأغاني الصنعانية» في حلقات تلفزيونية سجلت على إرشيف أشرطة أفلام سينمائية وهي لاتزال محفوظة في أرشيف تلفزيون بلادنا وتُعد مرجعاً هاماً لكل باحث ومهتم بأغاني التراث.
له الفضل الأول في تشجيع وظهور الفنان أبوبكرسالم بلفقيه إلى الجمهور حيث كان يقوم بالعزف له على آلة العود.
توفي الفنان أنور أحمد قاسم.رحمه الله عن عمر يناهز الخمسين تقريباً في حادث غرق وهو في قمة الشهرة والعطاء الفني.
في أوائل عام 1970م تأسس في وزارة الثقافة قسم«الموسيقى والفنون الشعبية» أول فرقة موسيقية غنائية لإحياء الآلات اليمنية القديمة والغناء اليمني الشعبي وقد تكونت هذه الفرقة على النحو التالى:
1 أنور أحمد قاسم..مغنياً وعازفاً على آلة العود الصنعاني أو «القنبوس» كما يسمى أحياناً.
2 محمد عبدالله الخزقة..عازفاً على آلة السمسمية.
3 ناصر جعبل ..عازفاً على آلة المزمار.
4 فريد كور..ضارباً بالصحن الصنعاني.
5 رشاد حسن..عازفاً بالربابة الشعبية.
6 جعفر بهري..ضارباً بالمقارع.
7 عبدالكريم عبيد قعطبي ..ضارباً بآلة الدربوجة وهو شقيق الفنان أحمد عبيد قعطبي.
8 أنيس تبات..ضارباً بآلة المرواس.
إنضم إلى هذه الفرقة بعد ذلك:
1 الفنان عبده عُكيمة..عازف الناي.
2 محمد صالح عزاني ..مغنياً.
3 طه فارع.. مغنياً.
4 الاستاذ/الفنان جميل عثمان غانم...قائداً ومشرفاً على الفرقة.
مارست هذه الفرقة نشاطها على مستوى الإذاعة والتلفزيون وقدمت أغاني تراثية شعبية مثل سرى الليل،خطر غصن القنا،قال أبوزيد ،يانسيم الصّبا وبعض الأغاني الأخرى.
لم تدم هذه الفرقة طويلاً فسرعان ماتفرق افرادها لأسباب عديدة لعل أهمها عدم وجود ميزانية ثابتة في ذلك الوقت لتحويل أو توظيف أعضائها فقد كانت الوزارة حديثة العهد وبعض قطاعاتها حديثة التكوين ولعل الظروف ،وهذه أمنية .تساعد على إحياء هذه الآلات التراثية من قبل قادة الفرق الموسيقية في بلادنا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.