رغم وجاهته ورغم تبوأه مكانة رفيعة في العهد العبدلي ، وهي وجاهة ومكانة حظي بها احمد فضل القمندان كسلطان ابن سلطان يشار اليه بالبنان كأمير وفي الوقت عينه كقائد عسكري الا أنه وكما تحدثنا عنه سيرته الذاتية لم يتبرأ من ذلك الوضع الطبقي الذي وجد نفسه فيه منذ ولادته ونشأته وحتى مماته كما أنه لم يتنكر لبيئته المحيطة به شعبيا اذ أنه بقي مرتبطا بها ارتباطا وثيقا ومن خلال سلوكه الاجتماعي اليومي الأمر الذي أهله أن يكون همزة الوصل بين الأدارة السلطانية الحاكمة والفئات الشعبية المحكومة ولقد كان لنا في العديد من أشعاره أكثر من دليل يبين هذا الأمر الذي ميز القمندان عن غيره من الادباء والشعراء اذ أننا نجد في تلك الأشعار ملامسة حميمة لواقع وحياة الناس وأحوالهم المعيشية وخاصة الفئات الشعبية منهم كما سنعرف لاحقا. لقد حدث في عصره وتحديدا مابين العشرينات والثلاثينيات من القرن الماضي أن عدم السمك تماما عن أسواق بيعه في لحج فكتب أحمد فضل القمندان قصيدته أو بالأصح طقطوقته الشعبية والتي أسماها ---عندما عدم الصيد--- اي عندما عدم السمك بلهجة اهل لحجوعدن وماجاورهما والتي يقول فيها:
ياغارة الله أدركي بالمراد نبغي ضرك طري وزينوب* ناد فهل لعصر الحوت من عودة ويا شويقاه لحد العماد لا يعدم "العيد"*ومن نفعه دواء للسل شفاء للفؤاد قل وجود الحوت في سوقنا والجرع والحاجه في أزدياد يالحج قل لي ما دهاك لما ذا أصبح أبنائك في أقتصاد تبن وعقان لنا سيلها وورزان الغيل بالسيل جاد يامخبرا بلغ ساداتنا هداهم الله سبل الرشاد سعر ثمين الحب من "انه"* أما غلاء الصيد ضر البلاد هل خاننا البحر على قوتنا أو ان في عمران عدوى الفساد حتى متى اذان حكامنا لا تسمع الشكوى والأنتقاد ولا بأيدينا خلاف الشكا الله الله بقوت العباد. هكذا يوجز القمندان معاناة واحتياج انساني يشمل الحاكم والمحكوم معا ويقدم لنا بيانا مابعده بيان عن حالة الناس وموقفهم من أزمة اقتصادية طارئة بلهجة يفهمها الجميع كما انها وثيقة تأريخية وأدبية على درجة كبيرة من الأهمية يرجع لها للاستشهاد على براعة وتفرد القمندان وتميزه كأمير وكانسان. وهنا ... وفي الابيات التالية نقف مع حال أخر من احوال الناس في عصر القمندان وما زلنا معه و ازمة المواصلات كما أتفق على تسميتها في وقتنا الراهن حيث نجده يقول: ياكتابي سير في البحر العظيم لاتعرج بالصراط المستقيم واهبط البصرة على عبدالكريم بلغه ياخطنا منا السلام قول له جيناك شوف معنا خبر كم وقع في الأرض هذي من عبر قلعوا السكه ولا خلو أثر كم تخابرنا وسوينا بصر و الفرنجي ما رضي يسمع خبر كملت الحيله وضيعنا الفكر وعن اللحم أكتفينا بالعظام
في الابيات اعلاه وهي مطلع القصيدة التي نحن بصددها يخبرنا أحمد فضل القمندان ان له رسالة مكتوبة يريد لها ان تصل الى من يهمه الامر ونجده يسميه بالاسم وهو عبدالكريم المتواجد ساعة كتابة تلك الرسالة في مدينة البصرة بأرض العراق وعبدالكريم الموسوم هنا احد هو واحد من اقرب المقربين للسلطنة العبدلية في ذلك الوقت وكما تفيدنا عن ذلك الدراسة التي قدمت الى مؤتمر التراث الأول الذي عقد في مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج في العام 1974م واشارت الى ان اسمه هو عبدالكريم حسن علي العجمي* الصديق المفضل اضافة الى انه كان المترجم الشخصي للسلطان عبدالكريم فضل شقيق الشاعر القمندان الذي كتب له تلك الابيات في مطلع قصيدته عندما كان متواجدا خارج السلطنه فقط لكي يذكره بمهاناة الاهالي في عدنولحج جراء اقتلاع السكة الحديد في عام 1348للهجرة وماتسبب ذلك من تدهور في وسائل المواصلات اذ نجده اي ---القمندان --- يقول :
يوم جانا الفورد* يمشي في الردف كلنا من قهوجي* نأخذ سلف والمخارج بايخارج بالصدف اركبوا باب الكرى* سبق وقام حملوا الركاب فيها أربعين كأنها قصعه* حشوها صاردين هكذا قانونا يامسلمين في مواترنا مصيبه وازدحام تبصر الموتر حنته* مفجعه حمله مولاه لما شبعه على ضوء ما تقدم تجد القمندان أحمد فضل قد قال وافاد بمعاناة في عصره هي أكثر تماثلا ومعاناة معاصره مع اختلاف ليس كبيرا في الفروقات والأسباب وهذا موضوع أخر.. أن جل مايهمنا هو كيف ان هذا الشاعر المبدع كان لسان حال الناس عند تعرضهم للشدائد وان كانت ازمة في السمك او اخرى في وسائل النقل والمواصلات وهو بهذا يثبت لنا بل ويؤكد ان الاديب والشاعر انما هو بما ينتج عنه من ابداع يحمل رسالة وطنية في ترجمة احوال الناس المعيشية وكل معاناتهم بمصداقية وبعيدا عن اي وجل وتردد وقد كان احمد فضل العبدلي سباقا الى ذلك الى حد انه قد تملكته شجاعته وجرأته الى ان يقف امام شقيقه السلطان في اكثر من مناسبة وحادثه مخاطبا اياه الالتفات الى اوضاع الناس والوقوف على مشاكلهم واوضاع البلاد على تعددها وتنوعها بل وادانة تلك الأوضاع ووصمها بالتخلف والجور وهكذا ايجابية في القمندان تنفي عنه مايذهب اليه البعض بوصفه ووصف شعره الاجتماعي والغير احتماعي بعدم الموضوعية والانحياز الى اسرته السلطانية الحاكمة وهذا بعيد جدا عن الدقة في قراءة القمندان القراءة الصحيحة التي كم نحن بحاجة اليها الى اعادة قراءة وتقييم ليس فقط اعمال القمندان الشعرية بل كل ما أبدعه ادباء وشعراء لحج وغيرها من محافظات الوطن الغالي. هامش: *طقطوقه: مقطوعة شعرية خفيفة. *ضرك وزينوب والعيد:مسميات لانواع من الاسماك. * انه: عمله نقديه قديمه. * العجمي :نسبة الى اسرة العجوم التي سكنت عدنولحج ويقال ان من اصول اجنببة. * الفورد:اسم نوع من السيارات. *قهوجي:وكيل احدى الشركات الاجنبية في عدن. *الكرى: اجرة . *قصعة:بمعنى علبة. *موتر حنته:صوت محرك السيارة .