الحروب التي تشتعل هنا وهناك تكون لها ضحايا من الشعب المسكين والغلبان على أمره والذي ليس له ناقة ولا جمل فيما يحصل في بلاده، وهذا حال من في بلده حروب كأفغانستان والصومال. والسياسيون غالباً يكونون السبب في إشعال حرائق الحروب دون النظر أو دون أن يأبهوا لحالة الشعب والسكان، فهمهم الأول والأخير هو السيطرة على الأرض والبلد وإن لم يكن للسياسيين دور في الحروب ففي هذه الحال العسكر غالباً يكونون هم السبب في أي حرب، حيث يصبحون سياسيين بين ليلة وضحاها فيتركون الملابس العسكرية ويبدلونها بملابس مدنية مادام الهدف هو الحكم، فحكم البلاد والعباد والسلطة هو الهدف مهما تعددت الأسباب . والصومال الشقيق ابتلي منذ عشرين سنة مضت وبعد فلسفة إطاحة وإسقاط نظام الرئيس الصومالي زياد بري دخل ذلك البلد في نفق مظلم حتى اليوم، حيث ابتلي بحرب أهلية لم تنته حتى اليوم دون أن يكون للشعب الصومالي ناقة أو جمل فيما يخطط له السياسيون، فدخل الصومال إلى تاريخ أطول الحروب الأهلية ولم يستطع أي حزب أو فئة أو عشيرة أو قبيلة أن تسيطر على البلد لأن البلد لم يعد يتحكم في مصيره ومستقبله الصوماليون أنفسهم، بل دخل على الخط الأمريكان والمتطرفون من القاعدة والمتطرفون من القبائل وتبادل أمراء الحرب السيطرة على الصومال والشعب الصومالي ذهب ضحية لأطماع أمراء الحروب وتجار السلاح وأخيراً ممتهني القرصنة إلى أن أصبح الصومال تلتصق به سمة القرصنة والقراصنة الصوماليين ولم يكن تاريخهم كذلك. ويا للأسف الشديد أن الحرب مضى عليها عشرون سنة أي أن من ولد مع بدايات الحرب الأهلية أصبح شاباً يافعاً اليوم تجده حاملاً السلاح مع هذا الفريق أو ذاك، حيث أصبحت مهنة يعيش منها ليبقى حياً يرزق، ولم تعد دولة الصومال ووحدة أراضيه تهمه بقدر ما يهمه من يدفع أكثر ليبقى على قيد الحياة فقط . ويبدو أن الحرب ونتائجها من قرصنة وقتل ومقاومة السلطات المتعددة في السنوات الماضية قد أفرزت هذه النتائج وذهب الملايين من الشعب الصومالي يبحثون عن ملاذ آمن ليكملوا فيه بقية سنين حياتهم إن بقي لهم شيء من هذه الدنيا . طوال العشرين سنة تبدلت أسماء كثيرة من قادة الاقتتال في الصومال وظهرت أسماء جديدة ومنظمات جديدة وظهرت وجوه وذهبت وجوه وظهرت عصابات متنوعة وهرب من هرب والتجأ من التجأ إلى دول الجوار وأكل البحر الكثير من أبناء الشعب الصومالي كل ذلك بسبب الحروب. اليمن كان من نصيبها مئات الآلاف من اللاجئين الصوماليين وربما قارب العدد المليون أو يزيد، رجالاً ونساء شيبة وشباباً وأطفالاً كانت الأراضي اليمنية تستقبل ومازالت الآلاف من الصوماليين ولا تعلم عنهم الحكومة اليمنية ولا الشعب اليمني أية معلومة سوى أنهم لاجئون وفق قوانين الهيئات والمنظمات الدولية، وللأسف الشديد بعد أن يتم تسجيلهم لدى المنظمة ينتشرون في كل بقاع اليمن وهذا أكبر خطأ بحق الوطن. ومن المؤكد بين هؤلاء الأعداد مَنْ مارس الحرب والقتل والقرصنة في الصومال كمهنة واحتراف، ومن المؤكد أن بين هؤلاء اللاجئين من هو مطلوب أو عضو خلية من المتطرفين أو ممن لديه استعداد لقتل واغتيال أي فرد في اليمن صومالياً كان أو يمنياً لمن يدفع أكثر ونحن نيام والسكوت على ذلك هو جريمة . الأيام الماضية أظهرت وجود الصوماليين محاربين مع عصابة التمرد الحوثية وهذا جرس إنذار خطير جداً. يفترض أن تتحرك السلطات لضبط اللاجئين الصوماليين وحصرهم في أماكنهم دون السماح لهم بالتحرك والانتشار كيفما شاءوا مادامت المسألة وصلت إلى هذه الدرجة من الخطورة . وأكاد أجزم إذا لم تتحرك الدولة وبشكل حازم في هذه المسألة الخطيرة والتي تمس الأمن القومي سنجدهم رويداً رويداً يُستخدمون نيابة عن عصابات همج الحراك فيقومون بالدور الذي تطلبه منهم تلك القيادات المجرمة من قتل وقطع طرق ومقاومة السلطات الأمنية وكل ما يقلق الأمن ببضع عشرات أو مئات من الدولارات. وبهذه الطريقة تكون قيادات همج الحراك ابتعدت عن تحمل المسؤولية أمام القانون والشعب سواء الذين يؤيدونهم أو الذين يرفضون توجهاتهم . وأريد أن أنبه إلى أن سحنات وأشكال وجوه كثير من الأشقاء الصوماليين تتشابه كثيراً مع بعض اليمنيين وخصوصاً سكان المكلا بحكم تقارب المنطقة من خط الاستواء وتقارب لون البشرة وبالتالي يسهل انخراطهم ولا يستسهل تمييزهم لهذا يجب أن تتنبه الدولة والمسئولون الأمنيون لهذه الخاصية ولن ينفع الندم بعد ذلك . أرجو ألا يؤخذ كلامي على انه عداء للإخوة الصوماليين أبداً وقد قلت ذلك في مقال قبل ثلاثة سنوات ماضية، إذ لا يعقل أن تتحمل اليمن كل تبعات المهووسين بالحروب في الصومال ولا يعقل أن تتحمل بلادنا تبعات الأعداد الكبيرة القادمة من الصومال والتي تؤثر بالتأكيد على البنية التحتية التي هي في الأساس ضعيفة أو معدومة في بعض الأماكن، وأيضاً لا يعقل أن نجد الأشقاء اللاجئين موجودين في يافع وسيئون وكذلك العاصمة صنعاء وأخيراً في صعدة مع الحوثيين وأبنائنا لم يجدوا عملاً بل نجد البعض منهم ينافس مواطنينا على العمل الذي هو أصلا محدود ونادر، ولا يعقل أن تتحمل اليمن استقبال شباب ورجال لا ندري ماذا كانوا يفعلون هناك وقد يكونون من أصحاب السوابق والإجرام والتطرف وساحة أحداث الصومال تشهد لهم بذلك . اليمن دولة فقيرة وإمكانياتنا شحيحة لا تحتمل توافد الأعداد الكبيرة تلك والتي انتشرت في كل بقاع اليمن حيث سيصبح من الصعوبة تمييزهم في المستقبل وإعادتهم إلى بلادهم حال استقرارها. إن وجود منظر المتسولين والمتسولات منهم في المدن وخصوصاً عدن على سبيل المثال يعطي صورة سلبية وسيئة عن بلادنا وخصوصاً عند استضافة خليجي عشرين فنحن لدينا ما يكفي من المتسولين ولسنا بحاجه إلى استقدام أعداد أخرى من الصومال الجريح . لا يمكن إغفال أن جلب لاجئين صوماليين من الصومال أصبح تجارة وليست حاجة وأصبح لهذا العمل ممتهنوه وتجاره من ضعاف النفوس ومن المؤكد أن هذا الشر إذا استمر سيتفشى وسيكبر وقد يصل إلى التأثير على بعض أفراد خفر السواحل لتسهيل توافد مراكب اللاجئين الصوماليين . لقد كتبت مرات ثلاثاً عن هذا الموضوع في السنوات الثلاث الماضية ولم يحصل أي تصرف من الدولة لإيقاف نزوح عشرات الآلاف من اللاجئين إلى اليمن، وكذلك كتب الكثير من الحريصين على الوطن في هذا الشأن ولم تحرك الدولة ساكناً في هذا الموضوع، وقد كانت كل الكتابات تنظر للضرر الذي سيخلفه وجود الأعداد الهائلة من اللاجئين على الناحية الصحية والاجتماعية والاقتصادية أما بعد أن ظهرت مؤشرات خطيرة فإن الناحية الأمنية هي المتضرر الأخطر . ليس صواباً أن تتلقى اليمن كل تلك الأعداد الهائلة من اللاجئين من أجل بضع مبالغ تصرف لتهيئة أماكن لجوئهم والمعلومات تقول حتى إن تلك المبالغ لا يستفيد منها اللاجئون وربما يستفيد منها من لا يستحقها على حساب اليمن وأمنه الغذائي بل واستقراره الأمني. لقد أصبحت بلادنا قبلة لكل من يريد أن يلجأ من دول القرن الأفريقي لأغراض قد نجهلها وأصبح تهريب هؤلاء مهنة لكثير من أصحاب المراكب البحرية وبلادنا في هذه الحال هي الضحية . إن بعض الدول القريبة من مكان الحدث مستوى اقتصادها أفضل بكثير من مستوى اقتصاد اليمن، فِلمَ اليمن فتحت ذراعيها في الوقت الذي لا يسمح فيه الآخرون لأي لاجئ يطأ أرضهم ؟ ومثلما نحن شعب كريم هم كذلك، ومثلما نحن شعب مسلم هم كذلك شعب مسلم، ومثلما نحن شعب مضياف هم كذلك، ولكن يبدو أنهم قرأوا الأحداث المستقبلية بشكل صحيح ونحن أخذتنا العاطفة. لا نريد شهادة من الأممالمتحدة وهيئة إغاثة اللاجئين ولا دولاراتهم، بل وأقولها وبصراحة ويشاركني الكثير من اليمنيين لا نريد أن يشكرنا ويمتدحنا الكثير من العرب والصوماليين على وجه التحديد إذا كان مجيئهم إلى بلادنا سينقل لنا الحرب الصومالية ومفرداتها، ولا نريد العالم أن يمتدحنا ونحن نعاني وهو في مأمن مما نعاني . لقد أرهق اليمن ذلك القرار والذي سمح باستقبال اللاجئين الصوماليين وأصبح القادم أخطر ...فهل من حل قبل أن تقع الفأس على الرأس ؟