خُتم عام 2005م بفواجع تفجع ، ففي نوفمبر 2005م جاء المخرج السينمائي العقاد ليرى عائلته في الأردن؛ فمات هو وابنته في انفجار في الفندق. وكان الرجل يحلم بإخراج فيلم عن صلاح الدين الأيوبي، كما فعل من قبل في فليمي الرسالة وعمر المختار؛ فأصبح هو فيلماً دموياً فاقعاً لا يسر الناظرين. وفي 12 ديسمبر 2005م تم نسف (جبران التويني) رئيس تحرير جريدة النهار اللبنانية على الطريقة التقليدية: سيارة مفخخة، وأشلاء متناثرة، واتهامات متبادلة، كان الشيطان البريء الوحيد فيها، وشياطين الإنس المجرمون عددهم كرمل عالج. والقتل هو طريقة تصفية الحساب بين السياسيين، ومن يدفع ثمنه المفكرون، ومن قبل طلب بنو إسرائيل قرباناً تأكله النار، فقال القرآن: قل قد جاءكم رسل من قبلي بالذي سألتم فلم قتلتموهم إن كنتم صادقين. و(جبران تويني) أكلته نيران المتفجرات فكان قرباناً للعنف على أعياد ميلاد المسيح عليه السلام فلحق بالمسيح. ولم يكن عام 2004 بأفضل ، ففي نهاية شهر مايو 2004م قُتل في مدينة (الخبر) في السعودية 22 شخصا على يد مجموعة من الشباب المسلحين الذين لا ينقصهم الحماس الديني بقدر الوعي. وفي اليوم الأول من القرن الهجري الجديد الخامس عشر اقتحمت مجموعة الحرم المكي بالسلاح فدشنت هذا القرن بالعنف والدم، وقام الخوارج من قبورهم بعد أن أعادت الحركات الإسلامية المعاصرة إحياء مذهبهم بدون أن تسمي نفسها خوارجا ؟ وعندما يمتزج الحماس بالجهل فهي خلطة شديدة التفجير. ولا شيء أخطر من طاقة منفلتة عن مدارها. وقبل 65 مليون سنة قضي على معظم الحياة في الأرض بفعل مذنب شارد في الملكوت أصاب الأرض فكانت قوة ارتطامه بقدر مليون قنبلة هيدروجينية. ولا يحتاج الإرهاب إلى أكثر من ثلة من الشباب المتهورين. وعندما ينفصل الدماغ عن العضلات ليس أمام الجسم إلا حفلات مروّعة من التشنج العصبي. وداء الصرع هو فورة من هذا النوع؛ فيغيب الوعي، ويبول المريض على نفسه، ويتدفق الزبد على شدقيه؛ فلا يعلم ما حصل له. والتدين قد يكون جنوناً، وقد يكون عقلاً؛ بقدر تمليحه بالوعي، أو تسميمه بالتعصب. وقد تخرج نسخ من إسلام ضد الإسلام. وتدين ضد الحياة. إلى أين يتوجه التاريخ ؟؟ إلى مزيد من العنف أو السلم؟؟ أمام ظاهرة القتل نرى تناقضاً يكاد لا يفهم، فالقتل يتناول الأنبياء والمصلحين والفلاسفة والمفكرين ورؤساء التحرير والكتاب كما حصل مع التويني وفرج فودة ومحمود طه ومصطفى العقاد وسمير قصير وباقر الصدر ورفيق الحريري.. قُتل كل أولئك مع أنهم دعوا للسلام بين الأنام. هكذا قتل غاندي برصاصة تافهة من هندوسي متعصب كما يقتل فيروس تافه أعظم إنسان. وهكذا قُتل مارتن لوثر كينج الأسود الذي خطب فقال في ندائه المشهور (عندي حلم I have a Dream) بأن يرى يوماً الأطفال السود والبيض، يداً بيد يغنون قصيدة الحب والسلام. وفي التاريخ الكفاية من القصص؛ ففي عام 399 قبل الميلاد تم تنفيذ حكم الإعدام في أثينا الديموقراطية بشيخ بلغ السبعين عاماً بتجرع قدح سم الشوكران، لأنه يفسد عقول الشباب بالآراء التي ينشرها. كان المدان الفيلسوف اليوناني (سقراط ) أعظم فلتة عقلية في التاريخ. وهكذا أُعتقل المصلح الديني (جان هوس) التشيكي 1411 م، وأُدين في 6 يوليو 1415 م بسبب ثلاثين جملة اعتبرت (هرطقة)، وحكم بأن يحرق (حياً) ونفذ الحكم في نفس يوم إصداره. ولا يشذ تاريخنا عن هذه القاعدة، فمات أبو حنيفة المجتهد مسموماً. وابن جرير الطبري المؤرخ دفن بالليل سراً عام 310 ه بسبب رميه بالزندقة وهو الذي وصف الفقيه (الاسفراييني) كتابه (التفسيرالكامل) بأنه لو سافر رجل إلى الصين من أجله لما كان كثيراً. ويسأل الحجاج عالماً ما اسمك؟ فيجيب: سعيد بن جبير فيذبحه قائلاً: بل أنت شقي بن كسير؟ في تصفية أموية لكل المادة الرمادية في المجتمع.