لاتوجد حسبة في الإسلام والذين يقومون بالاحتساب إنما يحاولون إيجاد سلطة تمكنهم من قمع المختلف معهم محاولين الاستناد إلى الإسلام. وقد تعرض كثيرون من المثقفين والمفكرين للاحتساب من قبل أشخاص استخدموا الحسبة لتبرير إرادة القوة. وهؤلاء يرفضون القراءات المتنوعة ويتعاملون مع الوحي كموضوع تمجيدي، بما سمح لكل جماعة تدعي تمثيلها للدين بأن تستغله إلى أقصى حد، لكي تدعم موقفها المحتكر للحقيقة. المحتسبون يرفعون الخطاب البشري إلى مستوى الخطاب الإلهي.. يرفضون البحث المتجدد عن المعنى ويكتفون بما قدم حتى الآن، بل يقومون بإسقاط الجمود الخيالي للزمن على فترات تاريخية محسوبة، لكنها مغايرة لذلك الزمن الخيالي لذلك فهم يرفضون التعاطي مع نسبية العقل ونسبية الحقيقة المثالية وبخاصة نسبية كلام الله. فهم ينطلقون من فكر اعتباطي. ومن الملاحظ أن الذين يتعرضون للتكفير أو الاحتساب هم أولئك الذين لا يمثلون السلطة الرسمية والذين يحاولون إلقاء الضوء على الزوايا المخفية في الفكر الإسلامي ويحاولون تغذية النزعة العقلية. والمحتسبون عبر التاريخ يحرفون الإسلام ويشوهونه، لأنهم يرفضون تطور المعنى ويرفضون النصوص القرآنية التي تدعو إلى تمجيد الحرية الفردية في التعبير والاعتقاد. وكما قلت فهم يقدمون قراءة محدودة ويرون أنه لايمكن أن يوجد للنص إلا معنى واحد وهذا الأمر يفقر النص ويحد من معانيه، إن أمر الحسبة ظهر في المسيحية حيث كانت الكنيسة تحتكر الحقيقة وبالتالي أحرقت كثيراً من العلماء والمفكرين ثم انتقلت الفكرة إلى داخل الدين الإسلامي لتأتي جماعة تحتكر فهم الإسلام لوحدها ولاترى الجديد إلا صادراً عن القديم، بتعبير آخر، لاجديد تحت الشمس لأن القدماء قد قالوا كل شيء، وما على المعاصرين إلا تكرار كلامهم، هؤلاء يعودون إلى الماضي ويولونه أهمية كبرى ويسقطون متطلبات المجتمع المعاصر ومشاكله على النصوص التأسيسية. هم يرفضون عملية التحول الطارئة على مضامين النصوص ووظائفها السابقة رافضين تولد مضامين ووظائف جديدة. وكما قلنا إن المحتسبين أو أولئك الذين يفتشون في ضمائر الناس إنما يقومون بتقديم قراءة إسقاطية تقع في هوة المغالطة الدينية، فتسقط على النص معاني لاتنتمي إلى زمنه، فهم يحاولون دوماً العودة إلى الوراء والحقيقة أن المثقفين والمفكرين الذين يتعرضون للاحتساب قد أخذوا على عاتقهم مسألة البحث في الفكر الديني (نشأته، تطوره، أثره في المجتمع) منطلقين من أن القرآن ليس سوى مجاز عال يتكلم عن الوضع البشري، ولا يمكن أن يكون هذا المجاز قانوناً واضحاً. هناك وهم كبير الإشارة إليه أره واجب، وهو اعتقاد هؤلاء المحتسبين بإمكانية تحويل التعابير المجازية في القرآن إلى قانون يفعل في المجتمع، وإلى مبادىء محددة يصلح تطبيقها في كل الظروف والأحوال. يمكن القول إن الذين يلجأون إلى الاحتساب إنما هم أشخاص يتميزون بانغلاق العقل وعدم قدرتهم على استيعاب الآخر، فهم يستبعدون الآخرين منطلقين من مركزية الحقيقة التي يمتلكونها بمفردهم وينظرون إلى أنفسهم فإنهم القادرون على فهم قصد الله دون غيرهم، وهم يحصرون أنفسهم في إطار ضيق رافضين الانفتاح على علوم الإنسان والمجتمع وينطلقون دوماً من القراءة المغلقة.. ان الرهبة التي تحيط بالنصوص المقدسة تمنع المؤمن من رؤيتها كما هي عليه في الواقع، أي كنصوص لغوية، تستخدم مفردات لغة وضعها البشر مع قواعده وأساليبها التعبيرية. لذلك نحن نرفض الارثوكسية في الإسلام، لأننا نرى أن ربط المؤمن بالنص لابد أن يقوم على علاقة الفهم والتحليل والمعقولية. تحتاج في الوقت الراهن إلى قراءة تنفتح على كل طارئ وجديد إلى أقصى الحدود. قراءة لاتنغلق ولا تنحصر داخل أي تجربة تاريخية أياً تكون عظمتها.