جاء المؤتمر المنعقد بجامعة الايمان والذي دعت اليه ونظمته هيئة علماء اليمن برئاسة الشيخعبد المجيد الزنداني وبمشاركة شخصيات قبلية ولفيف من الدعاة والوعاظ بتاريخ 26-9-2013،في خضم مايسمى مؤتمر (الحوار الوطني) الذي يوشك على الانتهاء والجدل الدائر فيه بشأن الدولة وشكلها والنظام السياسي والمرتبط كل ذلك بالقضية الجنوبية كقضية اليمن برمته،والابعاد الجيوسياسية لها،كما جاء ذلك عقب حروب مفتوحة لاتزال تدور رحاها في محافظات الجمهورية سيما محافظة عمران وصعدة والجوف وحجة،وغيرها من المدن والمحافظات اليمنية. كما ان كل ذلك واشتداد حمّى التغيير وتمركز القوى ووسائل حيازة القوة وتقاطعات كل تلك الملفات المفتوحة والمركبة والازمات المركبة لليمن وتماهيهامع بعضها ومنطقة شبه الجزيرة العربية ومصالح المجتمعين الاقليمي والدولي حيال ذلك كله، ولذلك فلا يمكن قراءة وتحليل البيان الذي خرج به المؤتمر المشار اليه اعلاه خارج هذا السياق والذي سنحاول سبره من خلال عامل التوقيت والجهة المنظمة والقوى والشخصيات الممثلة فيه ودلالات ذلك فكرياً وثقافياً وسياسياً،وستكون تلك القراءة منصبّةً على ما اضحى يعرف اعلاميّاً بحق (الخُمس)الخاص بالهاشميين بحسب البيان الصادر.
-اولاً: دلالات التوقيت: ------------------------ * ان اهم معنى ودلالة لذلك البيان أن ثمة تحالفاً قائماً وممتداً والذي يمكننا تسميته (مضلع ثلاثي الابعاد) الدين- السياسة- القبيلة،مُنذُ عقوداً ثلاثة وتحديداً العام 1970وتجديده عند ازمة1993 وما اضحى يعرف بحرب صيف 1994ودخول متغيرات جديدة ابتداءا من العام 2004 كبداية لحرب ما يعرف اعلامياً حرب صعدة، وما شهدته البلاد من تململ واضح افرز حركة احتجاجات متنامية منذ اكثر من عقد ونيّف،حتى العام 2007 الذي شهد التدشين الرسمي لما اصبح يسمى اعلاميأ الحراك الجنوبي كحامل للقضية الجنوبية وان لم ينل ذلك الاعتراف الا متأخراً ومششكاً به للان.
كما ان ذلك كله اسفر عن انتفاضة 2011 الموسومة بالثورة، والذي احدثت في ذلك المضلع او الثالوث حُفراً وتصدعات بدأت بزعزعة الثقة فيه ومستقبله،بعد ان ظلَّ عرفاً وتقليداً طوال سنوات خلت،او بمعنى أوضح دستوراً غير مكتوب لما يُطلق عليه بعض الكتاب والبحاثّة المركز(المقدس) والذي هو بالأحرى امتداداً لقرون مضت وان تجدد بشخصيات وأسماء ولكنه ظلَّ بمثابة الدستور المقدس ومغلقأ على منطقةجغرافية وقوى بعينها،تمثلت بما يعرف شمال الشمال وبؤرته المركزية (حاشد) وبعضاً من (بكيل) المعروفتان تاريخياً بالجناحين. -لذا فأن اطلاق هذا المؤتمر وماصدر منه والشخوص الممثلة فيه لم يخرج عن ما قاربناه اعلاه الاّ بقدر المحاولة لاستيعاب حركة(انصار الله) او المشهورة اعلامياً بالحوثية كمتغيّر وركيزة ثالثة في المضلع بعد الشروخ والكسر الذي تعرض له عقب انتفاضة2011 الثورية وخروج الجانب السياسي وان كان الى الان شكلياً ممثلاً بعلي عبدالله صالح،والجديد في هذا هو محاولةً لاعادة مااندثر منها كالجمع بين السلطتين الزمنيّة والروحية،(اي الدينية والسياسية) والمعتمدة على القبيلة كمغذي عام حربياً وسياسياً ودينياً،وذلك كله بغرض ترميم الندوب والتصدعات والشروخ التي بدأت بالفعل بسبب الحروب فيما بينها وقتالهم ببعض ومع بعض او بسبب ممارسات نظام صالح التي احدثت تصدعات في البنيّة والمكون الاساس (حاشد) تحديداً لغرض سلطوي بحت،ومآزرة ببعض من (بكيل)،اي اعادة الحياة لذلك المضلع الثلاثي ووفقاً للاعراف والتقاليد غير المكتوبة،والمسمى المركز(المقدس) في عرف بعض الكتاب والقوى او (المدنس)لدى اخرين.
وللعلم ان هذا ليس بصالح هذين المكونين او الثلاثي الرهيب هذا ككل،بل انها موغلةً بالفئوية وان تدثرت بالقبيلة والدين والسياسة،وصولاً الى انتهائها ببضع عائلات متوزعة على المكونات الثلاث تلك وحتى لا نقول بضع اشخاص بعينها_تحريّاً_ومن ثمّ إلحاق الظلم ببقيّة فئات وافراد المكّون الثلاثي هذا ابتداءاً وصولاً الى إلحاق الحيف والجور ببقية فئات المجتمع وافراده ككل(اي اليمنيين جميعاً) باستثناء اشخاص او عوائل بعينها،سيّما وأن المسألة لا تتعلق بالشريعة ومقصدها السامي في العدل والتحرر بمشاريع اليمن الاساس(الثورة، الدولة ،الوحدة ،الجمهورية) كمشاريع تحرر ونهوض وعدل وازالة للظلم والجور،واعادة دمج الافراد والمناطق وتشكيل للنعرات الجهوية والمناطقية والمذهبية وغيرها على اساس من روح الاخاء والتعاون والحياة الكريمة لكل اليمانيين.
ثانياً:الأبعاد الفكرية: --------------------- *ان المقصد الأهم للاسلام كدين هو اقامة العدل واحقاق الحقوق والحريّات العامة والخاصة وما تتضمنه من قيم للمساواة ككل مختلّة وغير واضحة المعالم وفقا لما جاءبالبيان المُتلى بالمؤتمر،بل ومشوهة ومبتورة وفق قراءة اسقاطية واختزالية واجتزائيّة خاطئة وخالفها كثير من المفكرين والعلماء والائمة كأمين عام الاتحاد العالمي لعلماء الاسلام الدكتور محمد سليم العّوا كرمزوممثل لمايسمى السنة او حتى العلامة محمد حسين فضل الله كرمز للمدرسة الشيعية وغيرهما الكثير معاصؤين او سابقين لهما.
ولذا فأننا لا نقرأ تلك القيم والمقاصد السامية كالعدل والمساواة والحريّة المقدمة على الشريعة في حال تعارضهما-كما قال بذلك الدكتور القرضاوي- وغيره من العلماء وقادة الفكر سواء أكانو مشهورين او مغمورين ومن كلا المدرستين الشيعية والسنية المشكلتين الفكر الاسلامي ككل.
ولهذا فتفسير ماخرج به المؤتمرون لايشذ عن نسق العدالة كقيمة اساسية بل ويوجه لها ضربةً قاتلةً في الصميم وأن العدالة لا تكون سوى من زاوية عدالتي انا وانا القيّم عليها وموهبها _استغفر الله_ وكذلك الحرية حريتي انا وبما اراه للاخرين،وهذا يرسخ ويبرز الكهنوت المخالف لمبدأ اساس في الشرع (لا كهنوت في الاسلام). كما ان تلك النظرة المشوّة والمشوّة(بفتح الاولى وكسر الثانية) لروح الاسلام ومقاصده الاسمى،وانها ليست سوى اجترار من حيث لايعلم المؤتمرون للقراءات الاستشراقية(السلبية) وترسيخ تلك الصورة المنمطة عن الاسلام ومبادئ الشريعة السمحاء،مما يفسر على ان الاسلام دين عنصري، ولم يكن العدل ودفع الظلم هو حاديه ايام الفتح الاسلامي بل هو الارهاب والعنف القائم بحد السيف للاسف.
ولذافقيم الاسلام وجوهر الشريعة مفارقٌ لروح العصر وقيم التمدن والحضارة،وفقاً لبيان المؤتمرون،وان النموذج الذي يجب ان يسود وأحق بالاقتداء هو جوهر الحضارة الغربية وقيمها وكأننا لا نشترك انسانياً مطلقاً للاسف. *ان من شأن الدعوة لحق (الخمس) الهاشمي ينكر ويتعارض مع المقصد الأسمى والرسالة الحضارية للاسلام والمبدأ العام ممثلاً بقوله جلّ شأنه(وماأرسلناك الاّ رحمةً للعالمين) وهذا مايجعل الرأي القائل بعنصرية الاسلام والرسالة المحمدية قائمة في حال تسليمنا بذلك،اضافةً الى ان الاسلام ليس لكافة الناس وأنه لايعدو عن كونه مرتبط بجغرافية معينة(العالم الاسلامي).
*ان ثمة خلطاًوغموضاً مشوشاً لمفهوم الشريعة ومبادئها السمحة،وانها لم تعد ولن تكون هي النص القرأآني والحديث المتوافق والصريح والمتعاضد مع القرآن المفسّر له وبه(سيان) ،وان الفكر الاسلامي اصبح جزء من الشريعة وهذا خطأ فكري مدمرّ ليس بسبب الجمود فقط بل وأن الرأي والاجتهاد مغلق على فئة محددة بعينها،وان هذا الرأي واستخدام سلاح الفتوى تتحول الى سلطة ناهيك عن انها لاتراعي مصلحة الانسان اينما كان وحيثما حلَّ وفقاً لمقولة العلامة ابن خلدون(الانسان غاية مافي الطبيعة)،ولذا فان تحويل الشريعة من كونها نسبية تراعي الظروف الزمانية والموضوعية فضلاً عن حرية الاجتهاد واعادة القراءات وتعددها تبعا للمصلحة العامة تلك،بل وجعلها اي الشريعة مطلقاً وحلولها محل التوحيد وهذا -لعمر الله-احد انفصالات ثلاثة حدثت في تاريخ الامة وزلزلت اركانها الحضارية نحو هذا العناء المعاش.
رابعاً:الانساق الثقافية(المغذية خطأً): ------------------------------------------ *ان المحددات الثلاث التي يذكرها المفكر الراحل محمد عابد الجابري هي منهل اساس لهكذا تصرف(الغنيمة -العقيدة-القبيلة). *القول المأثور (منا الامراء ومنكم الوزراء) وبالاخص ان جميع المذاهب الاربعة بما فيها الزيدية تكاد تجمع على ان السلطة او الخلافة لقريش،اي الامسال بتلابيب السلطتين السياسية والدينبة اجتراراً لل(المكرب) في الحضارة السبئية الحميرية. الايغال في الماضوبّة التي لامستقبل لها كما ذكر المفكر المعروف عبدالله العروي،فضلاً عن ان لا اساس مطلقاً لتاريخية الافكار كما يقول المفكر علي اومليل ومحاكمتها وفقاً لظروف الزمان والمكان الموضوعية،بل انها لاتعدو عن كون هذا الرأي او تلك الفتوى ليست سوى اعادة شرح للنص لا قراءته وعوامل الموضوعية فيه.
رابعاً:الابعاد السياسية: -------------------------- *الدلالة الاهم هو غياب فكرة الدولة المغيبة من الفكر الاسلامي والذي لم يعرف سوى السلطة ولم يبحث ويؤصل لحقوق المواطنة،بل اصّلَ وبحث في حق الافراد -كما توصل المفكر عدنان السيد حسين -سواء اكانوا مسلمين او مايعرف بالذميين خطأ وفقاً للنقد الموجّه لمفهوم الذميّ من قبل المفكر علي اومليل والذي فُهم خطأً على انه غير المسلم بل انه (الاقلية) او الطائفة خارج دائرة معتقد الاكثرية،وبحيث اضحى(الموركسيين) اي المسلمين في ما كان يعرف تاريخياً بالاندلس هم الذميين. *ان ذلك المثلث ثلاثي الاضلاع وفقاً لما قاربناه ومحدداته الثقافية،لايعني سوى استمرار ذلك التحالف بناءً على الدستور غير المكتوب تاريخياً وما يرتبط بذلك من بناء مؤسسات الحكم والسلطة التي تصب في خانة ذلك الثلاثي المفتئت على حق الشعب والناس في التقدم والعيش الكريم ،وان اي نظام اقتصادي واجتماعي وسياسي لايصب في خدمة ذلك مخالف للشريعة عسفاً للحق والحقيقة ويجب محاربته والقضاء عليه وهذا هو بالاساس اصل الخلل البنيوي الذي رفضه الشعب اليمني وثاروا من اجل اقتلاعه. *ان هذا الرأي ليس فقط خطأ من حيث بنيته الفكرية وانساقه الثقافية -فحسب- بل انه يحول دون التغيير المنشود والمؤمل،ويقف بالضد من مسألة الاجتماع السياسي،ناهيك عن كونه نتاج لثقافة الاقتصاد الريعي بل واضحى سببً في ديمومته واستمراره،(اي سبباً ونتيجةً معاً) . *انه ووفقاً لما تقدم يغازل سياسياً الانظمة السياسية الخليجية ويهادنهم بل ويخدمهم استمرارا واستقراراً وعلى حساب قيم ومقاصد الاسلام وحاجات الناس ومصالحهم.
*عدم استبعاد قيام تحالفات بل وانها تصب في مجرى النهر المفضي لادامة التسلط والفساد والعنف،كما ان ذلك يكشف تضاريس الخارطة السياسية والقوى الاجتماعية مستقبلاً،وان احتمالية تحالف المؤتمر ممثلاً بصالح وحزب الاصلاح وجزء كبير من التيار السلفي والحركة الحوثية باذرعها السياسية ومنظماتها الاهلية وغيرهم واردة،وأن احد اهم الاهداف لذلك هو اضعاف لحقيقة الوزن السياسي الذي بدأ يظهر به الحراك الجنوبي المتزر بشخصيات مستقلة ومنظمات مجتمع مدني وشطراً لابأس به من النخب التقليدية والجديدة شمالا وجنوباً،ناهيك عن استعادة زمام المبادرة للثالوث الذي ذكرنا وبالتالي فإن عامل التوازن السياسي الذي كان مائلاً لحساب بناء الدولة والتقدم والذي هو بالضرورة من خارج هذا المثلث ولذا فالقضاء عليه لصالح المظلع الثلاثي واردة ايضا، والنتيجة ان المجتمعين الاقليمي والدولي سيبدأ بتغيير نسق التعامل وفقاً لما هو على الارض وبما يصب في مصلحة المركز(المقدس/المدنس) وخارطة التضاريس المنشكلة . *ان ذلك لايعني سوى استمرار النفوذ والهيمنة وان بناء الدولة لايمكن ان يتم على حساب هذا المثلث وانه في احسن الاحوال سيفرغ من محتواه في حال لم يستطيعوا وأده في المهد. *كما ان من الدلالات الاهم هو تحويل الشريعة الى ايدلوجيا بالمعنى السلبي وان هذه الايدلوجيا هي وقوداً للسياسة ومصالح فئات واشخاص بعينها،وأن لا نواصب ولا روافض وفقاً للعداء والصراع والداءالطائفي البغيض بقدر ماهو صراعاً سياسياً يتدثر -خطأ مقصوداً وموجهاً- جلباب السنة/الشيعة،وان مايحركه هو شهوة السلطة وصراع المكانة والتفوذ وديمومته على حساب القيم والوطن والحق